من حياة "روتينية" تخلو من أي نشاط سياسي، أصبح الصيدلي الأربعيني علاء الركابي، أمين عام حركة (امتداد) المنبثقة عن احتجاجات 2019، مع ثمانية مرشحين آخرين من الحركة نائباً للمرة الأولى، طامحين لتأسيس معارضة في منظومة سياسية تمسك أحزاب تقليدية بكافة مفاصلها. المهمة صعبة فقد أفرزت الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من أكتوبر برلماناً تهيمن عليه تلك القوى نفسها. من منزله في الناصرية على ضفاف الفرات في جنوبالعراق، يصف الركابي الانتقال من ساحات الاحتجاج التي خبرها في الحبوبي في وسط المدينة قبل عامين، إلى معارضة مستقلة لن تشارك في الحكومة المقبلة، بالتحدي. ويقول لوكالة الأنباء الفرنسية: "بدأنا نتكلم مع من تنظموا سياسياً ومن لم يتنظموا وقرروا عدم المشاركة في الانتخابات. نتواصل معهم لنطرح عليهم لعب أدوار تكاملية، هم كمعارضة سياسية من الشارع ونحن من البرلمان، رغم أن حجمنا الآن غير مؤثر" في مجلس نواب مؤلف من 329 مقعداً. وكانت "امتداد" واحدةً من الحركات المنبثقة عن التظاهرات التي اختارت المشاركة في الانتخابات بينما اختارت غالبية الحركات الأخرى مقاطعتها. ويسعى الركابي إلى أن تكون له كلمة في بلد جرت العادة فيه منذ سقوط نظام صدام حسين بعد الغزو الأميركي في العام 2003، بإنشاء حكومات توافق بين القوى الكبرى والنافذة. ولم يختلف الأمر كثيرا هذه المرة، إذ يتوقع خبراء أن تتقاسم القوى الأبرز الحصص. وقد حلّ التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في الطليعة مع أكثر من 70 نائباً، وتراجعت قوى سياسية ممثلة للحشد الشعبي، تحالف فصائل موالية لإيران، وفق النتائج الأولية. بينما لم تصدر النتائج النهائية بعد. الحراك لا يزال موجوداً ويشرح الركابي أن "أكبر مشاكلنا في العراق هي حكومات المحاصصة وتوزيع المناصب والدرجات الوظيفية على الأحزاب. لنحارب ذلك، لا بدّ أن نكون خارج المنظومة" التي أفرزت تردياً في الخدمات ملامحه واضحة في الناصرية، وفساداً مستشرياً في كل مفاصل البلد.ويضيف "لن نشترك بأي حكومة محاصصة لنتمكن من المحاسبة". ولا تزال شوارع الناصرية شاهدةً على حركة احتجاجية طالبت بإسقاط النظام وتعرضت لقمع دام. كان غالبية المشاركين بها من شباب تقول "امتداد" إنها تمثّلهم. وبحملة انتخابية لا تفوق ميزانيتها أربعة ملايين دينار (نحو ألفي دولار)، مقارنة بملايين صرفتها الأحزاب الكبيرة، وفق الركابي، حازت "امتداد" خمسة مقاعد من 19 مقعداً مخصصاً لذي قار، بمجموع عدد ناخبين 140 ألفاً، وفق النتائج الأولية، مقابل 90 ألف صوت لمرشحي الأحزاب. ويرى الركابي أن "ذلك يعني أن الحراك لا يزال موجوداً وأننا تمكننا من إحراز خرق في البرلمان"، بمنافسة أحزاب تملك "أموالاً طائلة وسلاحاً ودعماً دولياً"، فيما لا تملك حركته حتى مكتباً خاصاً بها.وتحدث مراقبون أوروبيون عن "تخويف قامت به جماعات مسلحة ومزاعم إساءة استخدام موارد الدولة وشراء الأصوات" خلال الحملات الانتخابية. هز قواعد الأحزاب في شوارع المدينة المزدحمة، يشير الركابي من سيارته التي يقودها بنفسه انطلاقاً من رغبته في "تغيير الصورة النمطية عن النائب" المنفصل عن جمهوره، إلى جدارية رسمت عليها صور ضحايا التظاهرات وشعارات تعبّر عن "الثورة التي نجحت في هزّ قواعد جماهير الأحزاب". وتحتاج "امتداد" الى كتلة من 25 إلى 30 نائباً للاضطلاع بالدور الرقابي الذي تطمح له، "إذ دستورياً نحن بحاجة إلى 25 توقيعاً على الأقل لنتمكن من استجواب أي وزير". ولذلك، "نحاول التوصل لتفاهمات توفّر لنا هذا العدد". في المقابل، "قد نكون بيضة القبان في أي تصويت على قوانين" حين لا تكون الأحزاب الكبرى قادرة على التفاهم. لتحقيق ذلك، تواصلت امتداد مع حركات أخرى أحرزت مقاعد في البرلمان، مثل الحزب الكردي الناشئ "الجيل الجديد" الذي يملك تسعة مقاعد. ودخل العشرات من المستقلين الآخرين البرلمان، لكن يخشى خبراء أن بعضهم سينضم الى الأحزاب الكبرى. إلا أن آخرين مستعدون للمقاومة، مثل المستقل محمد العنوز الذي حلّ بالطليعة في دائرته الانتخابية في النجف. ويقول الركابي: "تواصلت معي أحزاب كبرى لمعرفة موقفي لكنه واضح: ترشحنا لنضع حداً لنظام المحاصصة. لن نتحالف مع أطراف سياسية قادت البلاد خلال الفترة الماضية لأنها هي أوصلت الحال إلى ما هو عليه من انعدام الخدمات والفساد". واشتهر الرجل على مواقع التواصل الاجتماعي حينما انتشرت صور له وهو يقوم بتعليق ملصقات حملته بنفسه. بالنسبة للركابي، "التغيير ليس سهلاً"، لكن النتائج دليل على أن "هناك وعيا بدأ يظهر في الشارع". ويضيف الصيدلي الذي لم يتمكن من مزاولة عمله في صيدليته الواقعة في وسط الناصرية منذ نحو عام بسبب تهديدات من أحزاب كما يقول، "قد لا نكون نحن من نكمل الطريق، لأن حياتنا قد تنتهي بطريقة بسيطة، بطلقة". لكن وصول المستقلين إلى البرلمان "بداية، خطوة على الطريق باتجاه الإصلاح، بدون أن نرمي طلقة واحدة".