يتناول السفير د. عبد الرحمن محمد الجديع في كتابه الصادر حديثاً عن «جداول» للنشر تحت عنوان الدبلوماسية متعددة الأطراف والتمثيل الدبلوماسي في الأممالمتحدة موضوعاً مهماً حول الدبلوماسية متعددة الأطراف كمهنة وكأداة مهمة ورئيسة في تحقيق الأهداف السياسية الخارجية للدول. يشير الكتاب في مقدمته إلى أن الدبلوماسية متعددة الأطراف لها الكثير من الخصائص والسمات تتجاوز ما تتصف به الدبلوماسية الثنائية التقليدية، لا سيما في ظل اتساع قاعدة التعامل الدبلوماسي مع الوفود الدائمة المعتمدة لدى الأممالمتحدة من حيث الكم والنوع وبالنظر لما تشهده العلاقات الدولية من تطور كبير في السنوات الأخيرة. وتتمحور مادة الكتاب حول ما رآه المؤلف من تعدد وظائف الوفود المشاركة بحيث أصبح أفق العمل الدبلوماسي في إطار الأممالمتحدة والتي تمثل أداة فاعلة في مقاربة العلاقات الدولية؛ الأمر الذي جعل مشاركة العمل في مؤتمرات الأممالمتحدة لا يقتصر على مهام الدبلوماسيين المعينين بل أصبح ميداناً لمشاركة وفود من المؤسسات الحكومية الأخرى، لقد فرض هذا التوسع في العمل في الدبلوماسية متعددة الأطراف العديد من الميادين الجديدة التي لم تُخض في السابق؛ وذلك يعود إلى تعاظم المشكلات التي يواجهها المجتمع الدولي مثل: تغير المناخ، التصحر، الأوبئة وغيرها في القضايا خارج الحدود. يتألف الكتاب من 244 صفحة ويتكون من سبعة فصول بالإضافة إلى الملاحق، ويركز الفصل الأول على تطور مفهوم المهنة الدبلوماسية وبلورة مفهوم العلاقات الدولية عبر ما شهدته المجتمعات من حروب حيث استمرت الممارسة الدولية عبر التحالفات وغيرها في التوصل إلى إيجاد آليات دولية أدت في النهاية إلى إنشاء عصبة الأمم 1919م ومن ثم الأممالمتحدة 1945م. أما الفصل الثاني فقد تناول التنظيم الدولي وتقنين الدبلوماسية كأداة أساسية وجوهرية في الاتصال الرسمي بالعلاقات السياسية. ويشكل الفصل الثالث مسحاً عاماً لأهم الأساليب والخصائص والأسس والإجراءات التي شهدتها الدبلوماسية عبر مراحل تاريخية. فيما تناول الفصل الرابع أنماط الدبلوماسية ومفاهيم هذه الأنماط، وتوضيح التفاعل بينها والتعامل مع ظواهر ومظاهر عالمية الطابع. وفي الفصل الخامس ركز المؤلف على تطور المفاوضات الدبلوماسية والجهود الرامية لحل المنازعات الدولية والطرق السلمية لذلك وفقاً لمقتضيات وبنود ميثاق الأممالمتحدة. وسلط الفصل السادس الضوء على أهمية الأممالمتحدة كمنبر دولي بالغ القيمة والأهمية والنفاذ في التفاعلات الدولية بين وحدات المجتمع الدولي ودورها في ترسيخ أسس الأمن والسلام الدوليين، إضافة إلى الاعتماد عليها في تهيئة الظروف لعقد المؤتمرات والاجتماعات متعددة الأطراف. وجاء آخر فصول الكتاب ليقدم لمحة عامة من واقع تجربة صاحبه الدكتور عبدالرحمن الجدبع كدبلوماسي محترف وعمل كرئيس للوفد المملكة الدائم في المقر الأوروبي في جنيف، واستعرض من خلاله طبيعة عمل الوفود الدائمة كواجهة سياسية رسمية لدولها أمام المجتمع الدولي، كما تقوم تلك الوفود بترجمة سياسات حكوماتها الخارجية والدفاع عن مصالحها وإبراز الصورة الحقيقية عن بلدانها من خلال المشاركة في خطابات الجمعية العامة أو اللجان أو في الوسائل المتاحة. لقد أوضح المؤلف من خلال هذا الكتاب أهمية الدبلوماسية متعددة الأطراف حيث تتعامل فيها الوفود المشاركة في الأممالمتحدة مع سياسات دولية لا مع سياسة دولة واحدة، ويقع على عاتقها التعامل مع مصالح دولية متشعبة وقضايا متداخلة تتطلب أن يكون المبعوث الدبلوماسي على درجة رفيعة من العلم والمعرفة والوعي الجيد للمفاهيم الحديثة، إضافة للإلمام بمتطلبات عمل الأممالمتحدة من حيث التفاوض والمقايضات السياسية أو الجهود بمجال التنمية المستدامة التي أصبحت من أهم المواضيع في أروقة الأممالمتحدة، وأن يكون قادراً على تمثيل بلاده تمثيلاً يليق بمكانتها بين الأمم. يشكل الكتاب دراسة أكاديمية للدبلوماسية، بذل من خلاله المؤلف جهداً فكرياً واضحاً، الأمر الذي يجعله حرياً أن يكون مرجعاً لكل مهتم بالدبلوماسية متعددة الأطراف والعلاقات الدولية سواء كان باحثاً أم طالب علم أو معرفة، لاسيما في ظل تعاظم المشكلات التي يواجهها المجتمع الدولي واستمرار تضارب المصالح الدولية وتشابكها. يشار إلى أن المؤلف الدكتور الجديع دبلوماسي محترف تنقل في الكثير من محطات العمل الدبلوماسي في الخارج ممثلاً بلاده في عدد من العواصم، وهو حامل حقيبتي الدبلوماسية والشعر إذ بالإضافة لكونه دبلوماسياً وكاتباً سياسياً واستراتيجياً، له إسهامات كثيرة في الصحف والمواقع والمؤتمرات الدولية، وصدرت له أربعة دواوين شعر.