"الصمت فن عظيم من فنون الكلام" حين يبلغ بنا الحزن مبلغه نلتزم الصمت، وحين نعرض عن لغو الكلام نلتزم الصمت، وحين نطير فرحاً نذهل عن استحضار المفردات الملائمة فنلتزم الصمت، وعلى صراط الحنين نلتزم الصمت، وحين يتراوح العجز بين ذروة الاشتياق وقسوة الشعور نهرع للصمت، فنصمت، ثم نصمت، حتى نجد السلوى في غياهب الصمت كبلسم حاد اللسع بطيء الأثر. الصمت هو أصعب أنواع الكلام، تصرخ معه كل الحواس عبر النبض المنهك، عبر حديث مكضوم، هو اللون الذي لا يقبل المزج بآخر ولا يتدرج من وإلى ألوان أخرى. من لا يتقن فن الصمت لا يجيد حسن القول، أو كما قيل إذا كمل العقل قل الكلام.. والصمت من السمت! ومن مدلهمات القدر أن تبتلى برفيق ما من رفقته بد -لاسيما في مجال العمل- مع من لا يفقه من السمت إلا اسمه ومن الحكمة إلا سرد أحرفها، ناقص الفهم سيئ الظن كثير اللغط مندفع القول، قليل الوعي ضئيل البصيرة. ثم يبعثر توازنك فلا تجد علاجاً للخلاص منه سوى أن تصمت عن فجاجة فكره وسوء طويَته كي لا تنجرف إلى مستنقعه النتن. وبتلك الرزايا أنى لنا أن ننمو ونعلو ونبلغ القمم، أنى لنا أن نسابق الزمن لنتخطى الأمم؟ فليس التعلم والشهادات العليا مقياساً لحسن الخلق وتهذيب السلوك، بل بات من الضرورات أن لا يتصدر المناصب الإدارية إلا من تلقى عدداً من الدورات في آداب التعامل وحسن الخلق مع إجراء اختبارات مهارية لصقل المتدرب وقياس الأثر المرجو من تلك الدورات، كما يجب أن يتاح لفريق العمل تقويم سلوك المدير أو الرئيس أو من يتصدر زمام الإدارة -أياً كان مسماه- ليكون ذلك التقويم أساساً لتحديد كفاءته وجدارته كما يجب أن يحاسب على جميع المآخذ التي تصدر عنه حيث تختلف البيئات وما تفرزه من تنشئة، وفي المقابل يجب مكافأة وتحفيز كل من يشهد له فريقه بالخلق الحسن. لكي نتمكن من انتقاء الأكفاء والخلاص من العاهات في منظومة العمل والتي تعد سبباً رئيساً لتعطيل التنمية.