، مصطلح يتكرر مرارا على ألسنتنا وفي بيوتاتنا ومنتدياتنا، كلمة طالما بررنا بها لكثير من التصرفات غير السوية لشبابنا وفتياتنا ولطالما اتخذناها مخرجا للعديد من السلوكيات غير الجيدة في مجتمعنا، نبرر بها لكل شاب أو فتاة وقعا في خطأ وربما خطأ كبير، اتركوه إنه في سن المراهقة، سايروه إنه في سن المراهقة، لا تؤنبوه وتعاتبوه إنه في سن المراهقة، وأصبحت هذه الكلمة (إنه مراهق) شماعة يُعلق عليها أفعال الشاب والفتاة إذ أخطؤوا! يعصي أباه وأمه ويرفع صوته عليهما (إنه مراهق). يُصاحب أصدقاء السوء ويتصرف تصرفات طائشة ويقال عنه (إنه مراهق) يسهر الليل كله ويتأخر فلا يأتي البيت إلا آخر الليل أو بعد الفجر ... ثم يبرر له (إنه مراهق) يَكذب ويسرق ويخون، ثم يبرر له (إنه مراهق)، يولع في شرب الدخان وربما تطور الأمر إلى أعلى من ذلك ثم يبرر له: (إنه مراهق)، يضايق الناس بأخلاقه السيئة ثم يبرر له: (إنه مراهق). بل يقصر في الصلاة وربما لا يصلي أبدًا، ثم يبرر له (إنه مراهق). وهكذا أصبحت كلمة مراهق جواز السفر لينال به الشاب بل الفتاة ما يريد تحت طائلة أنا مراهق ويجوز لي ما لا يجوز لغيري. ببساطة أصبحت هذه الكلمة خدعة كبرى، لأنها تجعلنا نتفرج على شبابنا وفتياتنا وهم يغرقون في شهواتهم، ولا نحرك ساكنًا، بل نبرر لهم بكلمة: (مراهق)، بل أصبحت هذه الكلمة برمجة العقل اللاواعي للشاب والفتاة بل ولمن هو أصغر منه، بأن يستعد من الآن، فالمجتمع سيغفر لك كل ما تصنعه حينما تبلغ سن المراهقة. يتفق علماء النفس والاجتماع بأن هذه المرحلة هي المرحلة الأصعب بل هي مرحلة التمرد والأزمات المتتالية، هذه النظرة تعود إلى القرن الثامن عشر، حيث نرى في كتابات الفلاسفة وعلماء الاجتماع آنذاك، وأشهرهم "جان جاك رسو" وصفاً حاداً جداً بنظرته السلبية تجاه شخصية المراهقة بقوله: "مثل هدير الأمواج الذي يسبق العاصفة، هكذا تأتي همسات العواصف المتصاعدة لتنذرنا بالخطر الآتي من التغيرات المزاجية، نوبات الغضب المتكاثرة، التقلبات الذهنية المستمرة التي تجعل الولد خارج سيطرتنا، لذلك يجب أن تضع يدك على الحزام قبل أن تفقد كل شيء". لكن حين ننظر إلى المراهقة من زاوية النظرة الشرعية المتوازنة فهي تعتبر مرحلة بداية التكليف الشرعي، وكتابة الملائكة لما يقوم به من أعمال، وهي المرحلة التي سيحاسب عليها، فهو سن البلوغ والرشد وليست هي مرحلة الطيش، وافتحوا صفحات التاريخ للمراهقين قديمًا، لتروا أفعالا مشرقة تفتخر به الأمة. من أكرم العرب في الإسلام؟ إنه طلحة بن عبيدالله وعمره ست عشرة سنة، من هو كاتب الوحي وترجمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنه زيد بن ثابت وعمره ثلاث عشرة سنة. وقد حفِظ لغة اليهود في سبع عشرة ليلة، وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه جعله النبي صلى الله عليه وسلم يقود جيش المسلمين وفيه كبار الصحابة كأبي بكر وعمر، وهو ابن ثماني عشرة سنة. سيد قبيلة تغلب، وهي أقوى قبيلة بين العرب قبل الإسلام إنه عمرو بن كلثوم وعمره خمس عشرة سنة. هؤلاء وغيرهم كثير، شباب الأمس عاشوا مرحلة المراهقة -كما نسميها- لكنهم سخروا شبابهم وقوتهم في خدمة دينهم. أما شبابنا اليوم -إلا من رحم الله- يبلغ خمسا وعشرين سنة وما زال يطلق عليه مراهق، ضيعوا الكثير من أوقاتهم وطاقاتهم ومواهبهم فيما لا فائدة منه، لا بد أن نعي أن المسؤولية مسؤولية الجميع، مسؤولية الآباء والأمهات، ومسؤولية المربين والمربيات، ومسؤولية المجتمع كله. مرحلة المراهقة هي المرحلة الحرجة التي يمر بها كل إنسان والتي تحتاج إلى المزيد من الجهد والتخطيط في التربية، فالمراهقة هي مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة، هي المرحلة التي تنضج فيها قدرات الإنسان ويجري فيها التكليف وتحمل المسؤولية، لذلك اهتم الإسلام بهذه المرحلة اهتماماً واضحاً في هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة. العقيدة الإسلامية هي أول ما يجب غرسه في نفس المراهق، ويكون ذلك بتعريفه بالإسلام وبأننا مسلمون لنا هويتنا الخاصة بنا ومأمورون بعبادة الله وطاعته وشكره على نعمه، يجب أن ننمي في أبنائنا حب أوطانهم وقادتهم وولاة أمرهم وأن يعوا أن هذا الوطن هو منزلهم ومسكنهم الذي يحميهم بعد الله من جور الأعداء وزيف المبطلين! ينبغي على الأب والأم أن يستثمروا فترة مراهقة أبنائهم بأن يكونوا بجانبهم وبالقرب منهم يقبَحون القبيح ويحسنون الحسن ويعلموهم الأخلاق السامية والحلال والحرام ومعائب الكلام والأخلاق، ولن يتأتى ذلك إلا بالمتابعة المستمرة والتشجيع المحفز والرفق والتأنيب غير العنيف والتوجيه غير المباشر للأخلاق. د. فهد بن أحمد النغيمش