انعدام الطبقية في الهند الحديثة يعود في أصوله الأولى للبريطانيين والذين قضوا على السيادة التاريخية لنظام الطبقات والذي هو تقسيم طبقي يقوم على التمييز العرقي، كما قضوا على ظاهرة [السوتي] وهي ما تعرف بحرق الأرامل بعد موت أزواجهن.. من المعروف تاريخيًا بأن شركة الهندالشرقية البريطانية كانت الجسر الذي عبر عليه الاستعمار البريطاني إلى شبه القارة الهندية عندما بدأت كشركة تجارية عام 1600م ومن ثم تحولت إلى هيئة سياسية حاكمة في الهند عام 1833م إلى أن أوقف نشاطها نهائيًا بأمر التاج البريطاني عام 1858م. وأيا كانت الأسباب الدافعة وراء الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية أو ما يقال عن الاستعمار سلباً أو إيجاباً إلا أن بريطانيا تعتبر شبه القارة الهندية أثمن وأزهى جوهرة في التاج البريطاني. فقد أحدث الاستعمار البريطاني تغييرًا جذريًا في النظام الاجتماعي الهندي حين أذاب الاستعمار النظام الاجتماعي والثقافة الهندية في النظام الاجتماعي والثقافة البريطانية وذلك بعدما أسقط نظام الطبقات الذي كان سائداً في الهند والذي كان يخضع لترتيبات هرمية اجتماعية وعرقية ودينية ويمثل المصدر الاجتماعي لكثير من مفردات السلوك التي تنطوي على ازدراء اجتماعي إلى درجة لم يبلغها أي مجتمع آخر والذي هو في الواقع استبطان لمعنى الطبقية تحت غطاء تشريعات الأيديولوجيا. فالتمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة أو الجغرافيا كانت مكونا بنيويا في شبه القارة الهندية. وإن كنت في هذا المقال لا أحاول أن أورد فكرًا وإنما حقائق غفل عنها التاريخ الاجتماعي لشبه القارة الهندية والذي انطلق فيه من الموضوعية وعدم التحيز في محاولة الوصول إلى الحقيقة وإن كان تطرق إليها بعض المفكرين. فلكل مجتمع بشري نظامه الاجتماعي الخاص والذي يختلف باختلاف درجة رقي ذلك المجتمع وتقدمه أو تخلفه فحتى المجتمعات الأوروبية تقوم على نظام طبقي يتكون من طبقة النبلاء [الارستقراطية] والطبقة البرجوازية [الوسطى] وطبقة الفلاحين وطبقة العمال وكذلك المجتمعات الشيوعية. إلا أنه في الحالة الهندية يقوم على تشريعات عقدية. فانعدام الطبقية في الهند الحديثة يعود في أصوله الأولى للبريطانيين والذين قضوا على السيادة التاريخية لنظام الطبقات والذي هو تقسيم طبقي يقوم على التمييز العرقي، كما قضوا على ظاهرة [السوتي] وهي ما تعرف بحرق الأرامل بعد موت أزواجهن وكذلك على زواج الأطفال وراقصات المعبد. فعندما دخل البريطانيون إلى شبه القارة الهندية سعوا إلى القضاء على تلك العادات والأعراف والنظم الاجتماعية فنظام الطبقات والذي يعود في بنيته الاجتماعية إلى أسفار ألفيدا نظام راكد لا يتغير ولا يتيح للآخرين الارتقاء والتقدم. إن ما ينطوي عليه نظام الطبقات من مأساة هو أنه ضاعف على مر الأجيال أعداد [المنبوذين] في المجتمع الهندي وجاءتهم بريطانيا بالمساواة مع غيرهم أمام القانون وعلى قدم المساواة مع الطبقات الأخرى، وكان للحركة القومية -بتأثير غاندي- فضل كبير في الحد من تزايد المنبوذين. لقد عملت الأفكار الغربية على زعزعة الأفكار القديمة التي كانت رائجة في شبه القارة الهندية؛ فالثورة الصناعية أزالت نظام الطبقات وأنهت ظاهرة [السوتي] وهي دفن الزوجة التي مات عنها زوجها وهي حية وازداد معه زواج الأرامل. لقد قضت الثورة الصناعية على تلك العادات الاجتماعية. فالآلات والتكنولوجيا لا احترام عندها للأشياء والأشخاص ففي المصانع يعمل الناس جنبا إلى جنب بغير تمييز طبقي، فالقطارات تهيئ مكاناً للجلوس أو للوقوف لكل من يدفع الأجر، والجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية تضم كل المراتب في صعيد واحد، وفي زحمة المسرح أو الطريق في المدينة تتدافع المناكب بين البرهمي والمنبوذ، فتنشأ بينهما زمالة أو صداقة لم تكن متوقعة، وقد أعلن أحد الراجات أن أبواب قصره مفتوحة لكل الطبقات في الهند، وأصبح رجل من [الشودرا] المنبوذين حاكمًا لإقليم [بارودا]، ووقفت جمعية [براهما - سوماج] ضد نظام الطبقات، وفقدت الألفاظ المستعملة في التمييز بين الطبقات معانيها وفاعليتها فكلمة [فاسيا] تراها في الكتب والمتاحف اليوم لكنك لا ترى لها مدلولًا في الحياة الواقعية حتى كلمة [شودرا] (المنبوذين) اختفت والواقع أن الطبقات الاجتماعية حل محلها ما يزيد على ثلاث آلاف طبقة: نقابات، تجار، مزارعون، معلمون، مثقفون، مفكرون، مهندسون، أطباء، صناعيون، مخترعون، مكتشفون... فانعدام الطبقية في شبه القارة الهندية واحد من الإنجازات الأخلاقية العظيمة للبريطانيين.