من تتبع تصريحات وإعلام نظام الملالي خلال الأسبوع الماضي يدرك ولاشك أن هذا النظام لا ينظر إلى العواصم التي استولى عليها بسطوة السلاح في العالم العربي إلا على أنها محافظاتايرانية فها هو الرئيس الايراني في كلمة له في افتتاح الدورة ال35 المنعقد يوم الثلاثاء 19 أكتوبر خلال ما سماه النظام الايراني مؤتمر الوحدة الإسلامية يقول: "اليوم نرى هذه المؤامرة في لبنان وأفغانستان، وبالأمس في العراق وسورية نفهم أن هذه المؤامرة مهمة للغاية" وكأن نظامه بريء مما لحق بهذه الدول التي تسببت لها سيطرته عليها بالتخلف والرجعية والعسكرتارية والرعب الذي أصبحت تعيش مكوناتها فيه. ولننظر مثلا إلى كلام عميل النظام الإيراني في لبنان حسن نصر الله حول ما جرى في الطيونة عندما قال "ما حصل هو مفصلي في مرحلة جديدة بالنسبة إلينا حول التعاطي مع الشأن الداخلي".. ذلك أن المتتبع لأحداث إيران والنظام الحاكم هناك وكذلك تابعها في لبنان، يعلم أنه من أجل فهم الحقائق كما هي، لا بد من الأخذ بعكس ما يقوله النظام ووكلاؤه وعملاؤه حتى نصل إلى معرفة الحقيقة. تطبيقا للمثل العربي "رمتني بدائها وانسلت" فحسن نصر الله هو من قام بتوتير وتصعيد الموقف في لبنان واليوم هو يتهم الآخرين. كان لا بد أن يتوقع تفجراً ما لهذا الاحتقان السياسي- الأمني، سواء بحادث عرضي أو بمواجهة مع قوى الأمن أو باحتكاك بين مناصري «الحزب» و«حركة أمل» والمؤيدين لاستمرار التحقيق، بعد مضي أكثر من أربعة عشر شهراً على جريمة المرفأ. كان «الحزب» أشهر «الفيتو» على أي تحقيق دولي، وها هو يرفض التحقيق المحلي ما لم يخضع لشروطه، لكن مسيرة هذا «الحزب» وصولاً إلى الهيمنة على الدولة بنيت على معايير كلها خارج الدستور والقوانين والأعراف. ولم يعد خافياً أنه يخوض هذه المعركة ليجهض مسبقاً إعلان حقائق الانفجار التي يتردد أنها ستظهر تورطه في تخزين أطنان نيترات الأمونيوم واستخدامه كميات من هذه المادة شديدة الخطورة، فضلاً عن تغطيته النظام السوري الذي كان استجلبها إلى مرفأ بيروت. لكنها أيضاً معركة للإجهاز على القضاء كسلطة اخترقها كسواها ولم يستكمل إخضاعها بعد. ما من أحد تخيل مسبقاً أي سيناريو للصدام الذي حصل في ضاحية بيروت لكن أسبابه كانت واضحة، بل إن «الحزب» نفسه استدرجه -اي هذا الصدام- عندما دفع بمجموعات من المتظاهرين إلى منطقة مسيحية (عين الرمانة) وقد سبق أن حصلت احتكاكات بينها وبين منطقة شيعية متاخمة (الشياح) في العامين الماضيين، عدا أنهما شكلتا الجبهة الأولى والأكثر شهرة وشراسة خلال الحرب الأهلية. الصراع على القضاء في لبنان هو الجزء المرئي من جبل الجليد، وإذا انتصرت فيه ميليشيا «حزب إيران» فإن هدفها التالي سيكون السيطرة الكاملة على الجيش اللبناني والذي يردد حزب الله علنا ان فيه كثيرا من الاتباع لأمريكا.. وبمعنى آخر فان الخطورة أن سطوة إيران وأتباعها لا يمكن أن تنكفئ من تلقائها ولا تعترف بالوسائل السياسية والسلمية لأي تغيير أو إصلاح من طريق الانتخابات أو المؤسسات، فمنطقها الدائم هو سيطرة الميليشيات وتحدي منطق الدولة. في نهاية الأمر فإنه من نافلة القول أنه خلال العام الماضي، دعا الشعب اللبناني، مثله مثل الشعب العراقي، مرارًا وتكرارًا إلى طرد النظام الإيراني من بلاده في مظاهراتهم، وكرروا القول مرارًا وتكرارًا أن السبب الرئيسي لكل الدمار والبؤس في هذه الدول هو النظام الإيراني ومرتزقته، وكذلك في انفجار المرفأ ردد الشعب اللبناني عبارته الأشهر( ايران بره بره.)، وفي إيران نفسها، خرج الشعب في أربع انتفاضات عامة واسعة النطاق ضد نظام الملالي في العامين الماضيين. وأدان تصدير النظام للإرهاب والتحريض على الحرب في مثل هذه الحالة، ونظرا إلى نتائج الانتخابات العراقية نرى أن الوضع انقلب على النظام في دول المنطقة، وخاصة في دول مثل العراقولبنان وسورية. حيث ادعى النظام أنه يسيطر على عواصمها، ويظن أن بإمكانه إعادة المياه المفقودة إلى مجاريها من خلال التصعيد والتوتير في هذه البلدان في محاولة تشبه حالة الغريق الذي يتشبث بكل ما أمكنه من أجل إعادة الوضع إلى حالته السابقة.. لكن الواقع أن نظام الملالي، الذي يواجه احتجاجات شعبية واسعة داخل إيران، وبات اقتصاده مفلسا ليس قادرا على حل مشاكله الحالية ويواجه عزلة دولية ولن يتمكن ابدا من إعادة الماء إلى مجاريها (حسب أحلامه وتصوراته) وشعوب المنطقة قد أعلنت العداء المطلق له وخصوصا الشيعة في العراقولبنان.