للطاقة الكهربائية دورٌ هام ورئيسٌ في تنمية الشعوب وتقدمها ورقيها ورفاهيتها باعتبارها إحدى الركائز الثابتة ذات الصلة المتينة والارتباط الوثيق بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الحياة الآمنة الميسرة الهانئة المريحة، وبالطبع فإن هذا الدور لا يقتصر داخل حدود الدولة الجغرافية ذاتها فحسب بل ليمتد ويتسع خارج تلك الحدود ليمثل عاملا مؤثرًا لتقوية الروابط وتجسيد التلاحم وتنمية التعاون وتعميق التفاهم بين الدور المجاورة المترابطة. ومن المعروف أن المملكة تعد بحق مركزًا إقليميًا لتبادل الطاقة الكهربائية عبر مشروعات الربط البينية العربية، لذا فهي تطمح وتتطلع للربط الكهربائي مع شقيقاتها الدول المجاورة لما لذلك من مزايا متعددة منها على سبيل المثال تقوية الروابط البينية وتعظيم الوشائج الأخوية وتعزيز العلاقات التجارية، كما أنه يعتبر أحد الاستراتيجيات والوسائل الهامة لنقل الطاقة الكهربائية المنتجة من هذه الدول إلى الأخرى مما يساعد في تعزيز القدرات الكهربائية التي تحتاجها الأنظمة الكهربائية المترابطة وتحسين الموثوقية وتدفق الطاقة دونما عجز أو تدنٍّ أو انقطاع، بالإضافة إلى تخفيض الاحتياطي المطلوب في كل نظام كهربائي على حدة والتغطية المتبادلة من الطاقة في الحالات الطارئة والاستفادة من الفائض من القدرات المتاحة وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية، كما أنه أحد آليات فتح أسواق الطاقة وإيجاد فرص وظيفية وخلق فضاءات تعاونية فرعية أو إقليمية فى هذا المجال. أما مزايا الربط الكهربائي فيمكن تعداد بعض منها وهو أنه عند ربط الأنظمة الكهربائية المعزولة فمن الممكن تقاسم الاحتياطي المتاح بحيث يحتفظ كل نظام بمستوى أقل من الاحتياطي لديه قبل الربط الأمر الذي سيؤدي إلى خفض في تكاليف الإنشاء (التكاليف الثابتة) وتكاليف الوقود والصيانة والتشغيل (التكاليف المتغيرة). كما أنه عند الظروف القسرية الطارئة كالأعطال والانقطاعات الكهربائية المتكررة وخروج عدة مولدات من الخدمة في آن واحد قد يسبب عجزًا في حجم القدرة الكهربائية لتغطية الأحمال القائمة الأمر الذي قد يحدث انقطاعًا أو ربما انهيارًا تامًا للنظام الكهربائي برمته، لذا فإن الربط الكهربائي المتين بين الأنظمة يشكل في هذه الأحوال حدًّا مانعًا وضمانًا مستمرًا لعدم حدوث ذلك الانقطاع أو الانهيار بل ويساعد على استعادة حالة الاستقرارية والاتزان للأنظمة الكهربائية، كما أن الربط الكهربائي يتيح أيضًا تبادل الطاقة الكهربائية بشكل أنسب اقتصاديًا كما يمكن تبادل الطاقة الوقتي والاستفادة من التباين الزمني للطلب على الطاقة، وبهذا تزداد درجة التعاون وتقاسم القدرات المتاحة وتوزيع الاستثمارات والنفقات بين الأنظمة الكهربائية متمثلا في بناء محطات أكبر ذات مردود اقتصادي أعلى وموثوقية أفضل. وبعد هذا الاستعراض الموجز لأهم مزايا وفوائد الربط الكهربائي من الجوانب الاقتصادية والفنية فإن من الجدير بالذكر أن ننوِّه ونُشيد بذلك الخبر المفرح الذي أثلج صدورنا الوارد في عدد الرياض يوم الأربعاء السادس من أكتوبر حينما تم توقيع عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بين مسؤولين في المملكة وشقيقتها جمهور مصر العربية بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة -يحفظه الله-، وهذا الحدث البارز يأتي انسجامًا مع رؤية المملكة 2030 التي تدرك قيادتها الملهمة الحكيمة أن موقعها الاستراتيجي يجعل منها مركزًا إقليميًّا لربط شبكات الطاقة الكهربائية وتبادلها نظرًا لما يمثله الربط الكهربائي في بناء التكامل العربي المنشود في مجال الطاقة كأحد روافد تحقيق الطموح العربي الذى يرنو إلى إنشاء سوق عربية مشتركة طالما نادى به معظم القادة العرب فى كافة المحافل العربية والدولية، ويبدو أن هذا الحلم العربي - الذي كان نواته وانطلاقته مشروع الربط الخليجي - بدأت تظهر ملامحه في ذلك الخبر ليصبح حقيقة ماثلة للعيان في سياسة المملكة الحكيمة ورؤيتها السديدة التي ترى أن مشاريع الربط الكهربائي العربي القادمة بين المملكة وبين شقيقاتها العراق والأردن واليمن لهي اللبنات الأولى لبناء التكامل العربي المنشود فى مجال الطاقة كأحد روافد تحقيق الطموح العربى من أجل خلق سوق عربية مشتركة تحتل فيها تجارة الطاقة أحد ساحاتها العريضة التى تبشر بالخير والنماء لهذه المنطقة من العالم. إن الربط الكهربائي الشامل بين الدول العربية سيحقق بإذن الله ذلك الطموح العربي والذي غرست نواته المملكة بجهودها وإمكاناتها التي أفاء الله بها عليها وسيكون من أهم مخرجاته التعاون والتنسيق بين الدول المترابطة بشبكات كهربائية موحدة مما سيُقوِّي نسيج الترابط والتلاحم ويوجد قاعدة اقتصادية متينة وراسخة للبناء والتطور وخلق الروابط الواقعية العملية التي تتخطى الحدود الجغرافية بين دول يجمعها ويوحدها ماض عريق وحاضر زاهر ومستقبل مشرقٍ بمشيئة الله. * جامعة الملك سعود