من المعروف أن الطاقة الكهربائية تلعب دورًا مهمًا ورئيسًا في تنمية الشعوب وتقدمها ورفاهيتها باعتبارها إحدى الركائز الثابتة ذات الارتباط المباشر بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحياة الميسرة الهانئة المريحة. ومن المعروف أن الربط الكهربائي بين الدول المجاورة له مزايا متعددة منها على سبيل المثال تقوية الروابط البينية وتعزيز العلاقات التجارية، كما أنه يعتبر إحدى الاستراتيجيات والوسائل المهمة لنقل الطاقة الكهربائية المنتجة من هذه الدول إلى الأخرى، ما يساعد في تعزيز القدرات الكهربائية التي تحتاجها االأنظمة الكهربائية المترابطة وتحسين الموثوقية وسريان تدفق الطاقة دونما تدنٍّ أو انقطاع، بالإضافة إلى تخفيض الاحتياطي المطلوب في كل نظام كهربائي والتغطية المتبادلة من الطاقة في حالة الطوارئ والاستفادة من الفائض وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية، كما أنه إحدى آليات فتح أسواق الطاقة وخلق فضاءات فرعية أو إقليمية في هذا المجال. ومن هذا المنطلق، فقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بالربط الكهربائي منذ بدء التخطيط لمشروع الربط الخليجي في عام (2001) بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي يُعد من أهم مشروعات ربط البنى الأساسية التي أقرها مجلس التعاون، وكانت المملكة أكبر ممول له ومساهم فيه، وذلك من ثوابت قناعتها بالدور الحيوي الذي يحققه الربط الكهربائي من مزايا اقتصادية وفنية، كما واصلت المملكة جهودها في سياق الربط الكهربائي بالمشاركة في مشروع ربط كهربائي مع جمهورية مصر العربية الشقيقة الذي تم توقيعه في شهر يونيو 2013 ومن المتوقع بدء التشغيل التجريبي له عند نهاية هذا العام 2020، ومن الجدير بالذكر أن تخطيط هذا المشروع بني على أساس الاستفادة من تباين أوقات الذروة في كل من المملكة ومصر، حيث يكون في الأولى في فترة الظهيرة وفي الثانية بعد الغروب بفاصل زمني قدره ثلاث ساعات على الأقل، الأمر الذي من شأنه أن يحقق تأمين وتبادل الطاقة بين البلدين، أما خارج أوقات الذروة فسيتم تبادل فائض القدرات المتاحة بين البلدين على أسس تجارية محضة، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين المملكة والأردن في 16 أغسطس 2020م حول إنشاء خط ربط كهربائي بينهما، ما يعزز المنظومة الكهربائية في كلا البلدين ويزيد من موثوقيتهما ويحسن أداءهما مع استخدام شبكات ألياف ضوئية مصاحبة لهذه الشبكات، وهذه الاتفاقية منسجمة مع رؤية المملكة التي تدرك أن موقعها الاستراتيجي يجعل منها مركزًا إقليميًّا لربط شبكات الطاقة الكهربائية وتبادلها، وللمضي قدمًا في مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة ولتعزيز هذه المشاريع الحيوية بين المملكة والأشقاء العرب فقد تم في إبريل الماضي توقيع مشروع الربط الكهربائي بين المملكة والعراق على أن يتم بموجبه تزويد العراق بحوالي خمسمائة ميغاواط من الطاقة الكهربائية من المنظومة الكهربائية الخليجية القائمة، وهذه الطاقة الكهربائية ستعزز من قدرات شبكات النقل في جنوب البلاد، وتأتي هذه الخطوة تمهيدًا لتوجه العراق نحو تقليص اعتماده على نحو أربعين في المئة من الطاقة الكهربائية التي تأتيه من إيران والذي يتطلع العراق إلى قطعها تمامًا والاستغناء عنها بعد استكمال تنفيذ هذا المشروع. والمملكة في سياساتها الحكيمة ونظرتها المستقبلية ترى أن مشاريع الربط الكهربائي العربي لهو اللبنة الأولى في بناء التكامل العربى المنشود فى مجال الطاقة كأحد روافد تحقيق الطموح العربي الذي يرنو إلى إنشاء سوق عربية مشتركة طالما نادى به معظم القادة العرب فى كافة المحافل العربية من أجل خلق سوق عربية مشتركة تحتل فيها تجارة الطاقة إحدى ساحاتها العريضة التي تبشر بالخير والنماء لهذه المنطقة من العالم. إن الربط الكهربائي الشامل بين الدول العربية والذي بدأت نواته المملكة بجهودها وإمكاناتها التي أفاء الله به عليها لهو حلم عربي سيتحقق - بإذن الله -، وسيكون من أهم مخرجاته التعاون والتنسيق فيما بينها من شأنه أن يُقوِّي نسيج الترابط والتلاحم ويوجد قاعدة اقتصادية متينة وراسخة للبناء والتطور وخلق الروابط الواقعية العملية التي تتخطى الحدود الجغرافية بين دول يجمعها ويوحدها ماض عريق وحاضر زاهر ومستقبل واعد بإذن الله. * جامعة الملك سعود