بعد أيام معدودات يحل موعد معرض الكتاب في مدينة الرياض لهذا العام، وهو عرس لمحبي الكتب، ولمن سيفوته القدوم إليه؛ أسلط الضوء اليوم على مكتبات هذه المدينة، وأدل محبي الكتب على مظِنة وجود كتبهم المبتغاة في مدينة رياض الثقافة والعلم. أول مكتبة في مدينة الرياض أسسها حنيشل بن عبدالله الحنيشل المولود في بريدة، ولكنه نزل واستوطن الرياض، وصار مُعلِّماً في أول مدرسة نظامية فيها، وافتتح متجراً لبيع الكتب في الجهة الغربية من مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم، وصار أول كتبي في الرياض ونجد، وبعد سنوات أصبحت مكتبته منارة علم، حتى توفاه الله عام 1389ه، وقبل وفاته أسماها مكتبة التسهيل، وقد وجدته ابنته متوفى -رحمه الله- في مجلس بيته الممتلئ بالكتب، فقد وافته المنية بين كتبه، وهي ذاتها الكتب التي وقعت على الجاحظ وأودت به، رفعته في حياته، وأحاطت به حال احتضاره، فهي كانت نجيته وصفيته في آخر ساعات عمره، ولمن أراد الاستزادة عن سيرته توجد في الشبكة مادتان ذكرهما الكتبي المشهور مزيد العصيمي في قناته الموسومة باسمه. ولا يغيب عن تاريخ الكتب في مدينتي الرياض الورَّاق أحمد كلاس اليماني في حراج ابن قاسم، وقد أصدرت الثلوثية كتاباً عنه، ومكتبات أي مدينة هي عماد علو العلم فيها، يحكي أيمن فؤاد سيد عن تاريخ مكتبة دار الكتب المصرية، فقد كانت درر المخطوطات تقع في يد الرحالة والمستشرقين حتى تنبه علي باشا مبارك وكان من رواد النهضة؛ فأنشأ "دار الكتب خانة" وكانت ملحقة ببيت الأمير مصطفى شقيق الخديوي إسماعيل، وروى التنوخي في نشوار المحاضرة أن لعلي بن المنجم ضيعة فيها قصر عظيم، أسماها خزانة الحكمة في صنوف العلم وأصناف الكتب، ولم يقصرها على نفسه، بل وبذلها لكل قاصد. حديثي اليوم عن أشهر المكتبات هنا، أبدأ بشمال الرياض في حي الفلاح وعلى مقربة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تقع مكتبة "الثلوثية"، وهي متخصصة في تراث الجزيرة العربية والتاريخ السعودي، ونجد فيها نتاج الرحالة والعلامة السعودي الشيخ محمد العبودي، وعلى الشارع نفسه على بعد أمتار قليلة تقع مكتبة "دار أنوار الخبير"، وهي توفر إصدارات قديمة بشكل محدود وقليل، يحصلون على غالبها من مكتبات الورثة والتركات، وقد اقتنيت مجموعة نادرة من الكتب من خلالهم، وبالقرب منهم كذلك مكتبة "دار الناشر المميز" تهتم أغلبها بالكتب الشرعية، والمصورات القديمة وكتب اللغة العربية والمذاهب السنية، وبعض النوادر، ولديهم كتب السلفيين الجدد مثل كتب دار نماء، وتقع مكتبة "ائتلاف" في حي قرطبة، نشرت مؤخراً كتابين عن العثمانيين، وصاحبها الدكتور طلال الطريفي المختص بالتاريخ، لكن يعيبها المبالغة الشديدة في أسعارهم. وبذكر النوادر تحل في المحل الأول مكتبةُ "نوادر مزيد"، التي تقع في المخرج الرابع عشر من الدائري الشرقي، وهي توفر كتباً لعلوم شرعية وثقافية، ويقل فيها كتب علم المنطق،ويكاد ينعدم علم الكلام، ولا يوجد لديه في هذا العلم سوى حاشية العطار أصل في علم الكلام، وفيها مصورات لكتب نادرة ونوادر أصول كذلك، ولكنه لا يتعدى المطبوعة في الثلاثينات والأربعينات، فلو تعدى هذا التاريخ لصارت النوادر مرتفعة المبلغ جداً، وفي قبالة احترافية موظفيها وخلقهم العالي أجد أن بعض مرتاديها يعانون شيئاً من فوقية العلم الذكوري، فكأن لسان حالهم المتعالي يسأل عن وجود امرأة مهتمة بالطبعات الأثيرة، أو سبب معرفتها باختلافات النساخ وغامض النسخ، وقبل مكتبة نوادر مزيد بقرابة مئتي متر تحل مكتبة "المحدث" وهي مكتبة مميزة المعروض، ويعيبها وجود الكتب على الأرض، مما يتعب المتصفح أو المتناول لها وقوفاً، وبجانبها بأمتار معدودة "دار ابن القيم" وفيها كتب علم الكلام والمنطق، نادرة الوجود جداً، يعيبها أنها ضيقة قليلاً، وهي مقفلة منذ فترة. وعلى مقربة منها ولكن قبالة جامع الراجحي مكتبة "التدمرية" المتخصصة في الكتب الشرعية، ومختلف المذاهب، واهتمامها بالجانب الثقافي المحافظ، وإن كنت قد وجدت نسخة مجودة من ديوان شهاب الدين السهروردي في هذه المكتبة السلفية، وقبل التدمرية ببنايتين تفتح مكتبة "دار فارس" وهي مكتبة واعدة وجديرة، وفيها عناوين حصرية عالية القيمة، وتضم إصدارات مشيخة الأزهر والهيئة المصرية للكتاب، ولمن أراد كتب فلسفة وعلم منطق وكلام ففيها بُلغة كافية، وبجانبها مكتبة "دار السلام" وقد أخرجت مؤخراً كتب الستة في مجلد واحد مضغوط، كما أخرجت فتح الباري بمجلدين، ومختصر تفسير ابن كثير للمباركفوري بمجلد، وتهتم دار السلام بترجمة الكتب الشرعية للإنجليزية، وعندهم عناوين تراثية شرعية كثيرة مترجمة إلى أكثر من لغة. وأشهر مكتبة توفر كتب المناهج الجامعية بإصدارها الخاص مكتبة "الرشد" في التخصصات الدينية واللغة العربية، ولكن يعيبها ارتفاع الأسعار مقارنة ببقية المكتبات، وقد أسست مكتبتي التفسيرية منها، ولها فروع ممتدة في أنحاء الرياض. ولو عرجنا جنوباً ولمن أراد كتباً مختصة في الجزيرة العربية وتاريخها، فدار "الحكمي" مكتبة مميزة بمثل هذه الموضوعات، وهي في جنوبالرياض على طريق المدينةالمنورة، ولمن أراد مكتبة في ذات التخصص الموصول بالجانب التاريخي ورحلات الجزيرة العربية، ولكن بمزاج الكتاب المستعمل تجيء مكتبة "الاستيعاب للكتاب المستعمل" فهي أقرب للحكمي في هذا الاتجاه، ولديهم ركن صغير للإصدارات الجديدة، ولو أكملنا جنوباً لمررنا بمكتبة "أنوار التوحيد"، تقع في حي السويدي، وقد أقفلت للأسف، ولكن المخزن الخاص بهم مازال يبيع كتباً من خلال موقع المكتبة في تويتر، وهي مختصة بالمصورات القديمة عزيزة الوجدان، ومنهم أكملت أرشيف مجموعتي الكبيرة في المجلات العلمية، بتجليد الكعب المميز، وتحل "دار الصميعي" في جنوبالرياض بمثل توجه دار التدمرية في بند الكتب الشرعية، وأختم مكتبات جنوبالرياض بمكتبة "دار المعارف" في شارع العطايف، لصاحبها ناصر الراشد، وهي متخصصة بالكتب الشرعية، وقد طبعت سلسلة الأحاديث الضعيفة والصحيحة للألباني، وقد بدأت قبل سنتين مكتبات حول جامع الإمام تركي بن عبدالله -رحمه الله-، منها فرع لمكتبة الرشد، وآخر لمكتبة الأخيار، ومع مكان هذه الأخيرة المميز إلا أن الباعة في هذه المكتبة لا يتعاملون بشكل جيد مع القراء. وفي موقعها الجديد نسبياً على طريق الملك عبدالله تتربع مكتبة "التراثية" بشهرتها الكبيرة، وخلاف اسمها تتميز بإصدارات كتب الأدب والكتب الحديثة غير الشرعية في الفكر بشكل عام، من السير الذاتية والرحلات والرواية، وتجد فيها غالب إصدارات دور النشر الحديثة من لبنان والعراق، يعيبها أمران، الأول: أن البحث يخضع لذاكرة البائع ومزاجه بلا آلية بحث حديثة، ولا يوجد مكان للجلوس، وفي زيارتي الأخيرة غابت ذرات الغبار والتي كانت ساكناً على مدار العام لديهم، والمكتبة لا تفتح أبوابها إلا في منتصف النهار، الرابعة عصراً. وتقع مكتبة "دار الزهراء" على طريق مكة أمام تقاطع طريق الملك فهد والعليا، ويتحصل المرء فيها على جميع إصدارات كتب دار عالم المعرفة الكويتية، وتتميز بأن لها كتبها الخاصة والمنهجية، وبعض إصدارات جامعة الملك سعود القديمة، وبجانبها تماماً مكتبة "الخريجي" والتي تحولت إلى قرطاسية. وفي حي المربع يقع مخزن عالي القيمة، مخزن الجريسي للكتب، وهو أشبه -لو صح التشبيه- ما يكون بمتجر أثاث أيكيا؛ لكن المعروض كتب من مختلف الدور، ومختلف التخصصات، يستحق الزيارة لوقت ممتد، وهو مقسم لمخزن أكبر في الدخول، ومخزن ثان، والثالث يحل في الدور العلوي. هذه إطلالة يسيرة على أشهر مكتبات الرياض التجارية، وبعض دور النشر فيها، لم أعرج فيها على تلك المشهورة الموصولة بتجارة القرطاسية مثل جرير والعبيكان، وتركت الحديث عن المكتبات العامة لوقت آخر. * أكاديمية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن