تثير صور استسلام إرهابيين منهكين وعائلاتهم من جماعة بوكو حرام، جدلاً حاداً بشأن ما تعلنه القوات العسكرية في نيجيريا عن نجاح حربها المستمرة منذ مدة طويلة ومستقبل المقاتلين الذين يسلمون أسلحتهم. ظهر العشرات من عناصر جماعة بوكو حرام المتطرفة في صور نشرها الجيش هذا الشهر، وهم يستسلمون لجنود في ولاية بورنو شمال شرق البلاد وكان البعض منهم يحملون أوراقاً كتبت بخط اليد، تطلب من النيجيريين المسامحة. يصف الجيش النيجيري تلك الحالات بالفرار الجماعي، وبأنه نجاح يقول إنه ثمرة حملة مكثفة لإنهاء نزاع مستمر منذ 12 عاماً، وأودى بحياة قرابة 40 ألف شخص وشرّد قرابة مليونين آخرين. غير أن محللين ومصادر أمنية يقولون: إن حالات الاستسلام تلك ربما هي مدفوعة بشكل أكبر بالخسائر التي تكبدتها بوكو حرام في الاقتتال الداخلي مع الإرهابيين المنافسين من تنظيم داعش في غرب إفريقيا. وتثير حالات الاستسلام حساسية كبيرة في نيجيريا. فالأهالي الغاضبون في بورنو يخشون أن يتمكن الإرهابيون المسؤولون عن سنوات من الفوضى، من الإفلات من العقاب أو العودة إلى ساحة الحرب. والانشقاقات ليست أمرًا نادرًا في نيجيريا. لكن بالنسبة للجيش الذي يقاتل بوكو حرام وتنظيم داعش، يمثل ارتفاع أعداد المستسلمين دليل نجاح. وقال رئيس الأركان الجنرال فاروق يحيى خلال فعالية مؤخراً: "إننا نحرز تقدماً ونحقق نتائج، وإذا ما استمررنا، وينبغي أن نستمر، سنطوي هذه الصفحة في شمال شرق البلاد". وأضاف: "وندعو الآخرين المختبئين في الأدغال إلى أن يتقدموا ويسلموا أسلحتهم مثل زملائهم". يقول الجيش النيجيري: إن قرابة ألف عنصر من بوكو حرام وعائلاتهم، استسلموا مؤخراً، وفق بياناته. حرب طاحنة تفاوتت وتيرة النزاع منذ اندلاعه في 2009. لكن وفاة زعيم بوكو حرام في مايو شكلت على ما يبدو منعطفاً كبيراً في الصراع. تقول مصادر أمنية: إن قياديي تنظيم داعش يسيطرون بشكل مطرد على فصائل بوكو حرام، ويقتلون الذين يقاومون ويعرضون على الباقين العيش تحت سيطرة التنظيم أو الرحيل. وقال مصدر أمني: إن عاملًا حاسمًا آخر هو رتبة عناصر بوكو حرام الذي سلموا أنفسهم، من شبان التحقوا بالحركة وعائلات ليس لها روابط أيديولوجية. وقال مصدر أمني يتمركز شمال شرق البلاد: "لدي مشاعر متضاربة بشأن الموجة المفاجئة من استسلام مقاتلي بوكو حرام". وفي إشارة إلى أحد المنشقين أضاف: "سيكون من السذاجة التفكير بأن أدامو روغو-روغو القيادي سيئ السمعة في بوكو حرام والقاتل بلا رحمة، يمكن أن يستسلم بهذا الشكل". ثمن سياسي المقاتلون الذين استسلموا هم أيضاً بمثابة اختبار لحاكم ولاية بورنو باباناغا أومارا زولوم، في وقت يشتد الغضب في عاصمة الولاية مايدوغوري حيث يقيم في مخيمات عشرات آلاف ممن نزحوا بسبب العنف. والعديد من المواطنين يخشون من السماح بعودة المتطرفين السابقين. وقال زولوم في بيان: "علينا الاختيار بين حرب لا تنتهي أو القبول بحذر بالإرهابيين المستسلمين الأمر الذي هو مؤلم بالفعل وصعب على أي شخص خسر أحبة له". وتطبق نيجيريا برنامجاً حكومياً يطلق عليه "عملية الممر الآمن" يهدف إلى تأهيل المتطرفين السابقين، وتعتبر البرنامج حافزاً للمقاتلين للتخلي عن السلاح. قال زولوم: إن كثيرين ممن استسلموا مؤخراً كانوا قد التحقوا بالجماعة الإرهابية رغماً عنهم. وصرح أمام الصحافيين: "إن لم نكن نريد مواصلة حرب لا نهاية لها، لا أرى سبباً يدعونا لرفض الراغبين في الاستسلام". وقال أحد الأهالي ويدعى غورو: "سيُعيدون تأهيل هؤلاء الإرهابيين، سيعطونهم... مبلغاً من المال كي يبدؤوا حياتهم من جديد". وأضاف: "لا يمكن لأحد أن يقتل والدي ووالدتي وشقيقي وأن تقول الحكومة إنها ستعفو عنه ويمكنه العودة والإقامة في بلدتي. من غير الممكن تأهيل إرهابي في ستة أشهر فقط".