عندما أطلت جائحة كورونا برأسها المخيف على العالم قبل نحو عامين، كانت المملكة تستعد لها نفسياً وصحياً واحترازياً، بسلسلة من الإجراءات الوقائية، التي جعلت السعودية من أفضل دول العالم تعاملاً مع الجائحة في مراحلها المختلفة. ولم يقتصر دور الجهات المعنية في السعودية على مواجهة الجائحة كوباء سريع الانتشار بين البشر، وإنما حرصت على استثمار إيجابيات تلك الجائحة، وعمدت إلى تفعيل التقنيات المختلفة التي تمكنها من تسيير الأعمال اليومية في كل مناحي الحياة، هذا التفعيل مضى بوتيرة سريعة ومتلاحقة، كشفت عن توجهات ولاة الأمر بضرورة تعزيز دور الحكومة الإلكترونية، وهو توجه قديم، سبق ظهور الجائحة، التي عجلت من تنفيذ برامجه ومراحله. آخر مشاهد تفعيل التقنيات الحديثة في المجتمع السعودي، كان قبل 48 ساعة، عندما أطلقت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك مشروع «فاتورة»، في حفل ضم الجهات المشاركة في تفعيل هذا المشروع الوطني، ومنها هيئة الحكومة الرقمية، والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، وبرنامج مكافحة التستر التجاري، واتحاد الغرف السعودية، والمركز الوطني لنظم الموارد الحكومية، وهو ما يعكس أهمية هذا المشروع، وقدرته الفائقة في علاج الكثير من السلبيات الاجتماعية والاقتصادية التي عانى منها المجتمع في سنوات مضت. ويعد مشروع الفوترة الإلكترونية اليوم أحد أبرز المشروعات الوطنية الطموحة، إذ يأتي امتدادًا لمشروعات رقمية متنوعة، وعدت بها رؤية 2030 من أجل تعزيز التحول الرقمي المنشود الذي سبقتنا إليه دول عدة، وتؤمن الرؤية أن المملكة لا تقل شأناً ولا مكانة من هذه الدول، ولا بد أن تشاركها برامج التطوير والازدهار، بحيث تبدأ المملكة من حيث انتهى الآخرون. فوائد الفواتير الإلكترونية عديدة، لا يمكن حصرها مجتمعة، إلا بعد التطبيق الفعلي لها على أرض الواقع، ولكن من أبرز هذه الفوائد من وجهة نظر لوجستية، القدرة على الحد من كمية الأوراق المستعملة للتوثيق أو تخزين معلومات المعاملة، والتخلص من العمليات اليدوية، مثل الطباعة، والإرسال البريدي، والتوثيق، والتخزين، والتوفيق بين الفواتير الورقية، وهي مشاهد قديمة ومزعجة، لا ينبغي أن تستمر، لأنها لا تتماشى مع عصر الرقمنة والسرعة الذي تشهده المملكة حالياً. ولا تقتصر الفوائد على ما سبق، فهناك فوائد أخرى، من أهمها محاربة التستر التجاري الذي أضر بالاقتصاد الوطني، والحد من تعاملات الاقتصاد الخفي، وتعزيز المنافسة العادلة، فضلًا عن دورها الجوهري في إثراء تجربة المستهلكين وحمايتهم والحصول على حقوقهم كاملةً عبر الفاتورة الإلكترونية، التي لا يمكن إنكارها أو التلاعب فيها.