تجار الشائعات بالجملة والتجزئة ما زالوا يسرحون ويمرحون ويظلمون الناس حينما يساهمون في الإرباك والتشويش، سواء كان ذلك على الصعيد الاقتصادي من خلال تمرير الكذب وتوريط أكبر عدد من المستثمرين والمساهمين بآفاق محدودة ورؤى تفتقر إلى الانضباط والتحليل الدقيق، أو على الصعيد السياسي حيث القفزات البهلوانية غير المشوقة أو بالأحرى المشرقة غرباً، وفي هذا الجانب تحديداً يبيت استثمار المشاعر ذي الطعم المختلف، إذ إن الذائقة تستجيب لكل أصناف التعاطي مع الصورة المجتزأة في المخيلة والتي تلامس الأمنيات التي لم تتحقق بطبيعة الحال، لأن ما تحقق يتم نسفه وتهميشه طبقاً للهدف من دغدغة المشاعر، في حين أن ذكر ما تحقق يضعف التأثير في تسويق هذه البضائع، وهنا يكمن دور الإعلام بكل وسائله في إبراز النقلات الحضارية المتتالية لمشروعات النماء والاستقرار، المشاهد أو المستمع أو القارئ بات أكثر وعياً وإدراكاً لمعطيات الأمور، أي أن هذه البضائع المزجاة لم تعد تستهويه، بقدر ما يلامس مشاعره النقد الموضوعي المتزن بعيداً عن تصيد الأخطاء واستغلال الهفوات التي تقع هنا وهناك، الفساد الأخلاقي من أقسى ما تواجهه الشعوب، إذ إنه يقضي على قيمها ومقدراتها، ناهيك عن أثره في تنمية بذور الشقاق من خلال إدراج مسألة التمييز والتفرقة في أجندتهم البائسة، والتي لا تلبث أن تسقط من يجعل التسرع عنواناً بارزاً لحماقته وهو ينساق بكل سذاجة في تصديق حكايات نسجت وفق خيال مضطرب وهو يحيك المؤامرات ويثير الضغائن والفتن. إن بائعي الأوهام ومسوقي البهتان هؤلاء الضالون لن يزيدوكم إلا إرهاقاً وتعباً، ونيلاً من دينكم واستقرار أوطانكم، فكيف يرضى المؤمن أو المؤمنة أن يرهن قيمه لهؤلاء البؤساء؟ يساهم الإنسان في تمرير الصفات جزافاً، وينشر الزور والبهتان كيفما اتفق، فإنه يقع في المحظور من غير أن يشعر على اعتبار أنه كلام يطير في الهواء الذي لا يمت للطلاقة بصلة، وبذلك يدخل من بوابة الظلم غير مدرك لخطورة هذا الأمر، وتجده حين يتعلق الأمر بالتوثيق يمعن التدقيق ويربط فرامل ويثمن الكلام الذي يخرج من فيه، والأدهى والأمر أن هذا الكلام أحياناً يخرج بصيغة الجمع، أي أنه يكون أكثر كرماً في وصف فئة معينة، بل قد يصل الأمر إلى شعب كامل، مستوى الحذر بحصائد الألسن يكاد يكون أقل من الحد الأدنى، إن لم يكن عند البعض صفراً بحجم رأسه الفارغ من كل محتوى فضيل، وحينما يتمكن الشيطان من ضعيف الإيمان يجهز على الإحساس في الوجدان ويجرده من كل فضيلة طبقاً لخلو القلب من الإيمان وطاعة الخالق الديان، إن أي كذبة على وجه الأرض تحدث وخزة ولو كانت يسيرة في الضمير، أي أن التأنيب موجود في كل كذبة، ومع "كل أرنب نط جاب الخط أو ما جابه" سيان، وأيًّاً كان من أطلق الشائعة أو ساهم في نشرها إلا أنه حتماً يوجد حيز من خير بين جوانحه وفي قلبه بالذات، غير أن هذا الحيز يتوارى حينما تسيطر عليه آلة الشر مدعومة من عدو الله إبليس اللعين وأدواته، في الوقت الذي يعتقد فيه البعض بأنه سيفلت من العقاب بتسويقه الكذب وهو يتوارى خلف أقنعة زائفة إلا أنه لن يفلت من رب العباد القائل في محكم التنزيل "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، هذا التسطيح وعدم إدراك الأعمال المنطلقة من اليد واللسان مردهما الابتعاد القسري للتأثير ومدى استشعار خطورة ما تجترحه الألسن، على الرغم من الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ذلك، وضرورة أخذ الحيطة والحذر من إطلاق الكلام على عواهنه، ولا شك أن الذب عن هذا البلد الغالي والوقوف صفاً واحداً أمام من يثير النعرات والفتن دور وطني صادق ومسؤولية أدبية خلاقة، وهذا ما نلاحظه من خلال أغلب مواقع التوصل المختلفة -ولله الحمد-، وكيف أنهم بالمرصاد لكل من يساهم في خلخلة المجتمع والنيل من استقراره، فضلاً عن إبراز الإنجازات والإعلان عنها بشكل مستفيض، للجم تجار الشائعات وقطع دابرهم، وهذا من صميم الانتماء وحب الوطن وساكنيه.