في سبيل الاتقان والتميز لا غنى عن التدريب العميق والمستمر، وهذا لا يخضع لما يتم صرفه من مبالغ بقدر وجود الشغف والاستمرار لدى المتدرب، وهذا يأتي من وجود نماذج وطنية يقتدى بها، وتشجيع الأهل والمدرسة ووزارة الرياضة كما رأينا في الحفاوة الكبيرة للبطل لاعب الكاراتيه.. انتهت الألعاب الأولمبية المقامة في اليابان، واستحوذت على العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار ومواقع التواصل رغم ما اعتراها من صعوبات، ومطالبة كثير من الدول المشاركة بتأجيلها بسبب وباء كورونا. وقد أدارتها اليابان بكل احتراف، وحازت الولاياتالمتحدة الأميركية المركز الأول بعدد الميداليات ومجموعها 113 ميدالية، تلتها الصين بعدد 88 ميدالية، ثم اليابان المستضيفة، الدول العربية سجلت أفضل أداء لها في تاريخ المسابقات الأولمبية وحازت مجتمعة على ثماني عشرة ميدالية، منها ست ميداليات لمصر وثلاث لقطر، وحصلت المملكة على ميدالية فضية في لعبة الكاراتيه، ويبدو أن السباق بين الصين وأميركا لا يقتصر على الاقتصاد والتجارة والصناعة فقط، لكنه في كل الميادين التي تتيح للدول إبراز قدرات أبنائها، وأتوقع أن كل منهما يحلل النتائج ويستعد للجولة المقبلة بعد أربع وثماني سنوات وما بعدها. الرياضة الأولمبية من أهم وسائل التعريف بالدول وقدرات شبابها، ومن أهم أدوات القوة الناعمة، ولذا استأثرت الدول المتقدمة بنصيب وافر من الميداليات بأنواعها، وتعد الألعاب الأولمبية أهم المنافسات الرياضية على مستوى العالم ويشارك فيها أكثر من 200 دولة، ويقام الحدث كل عامين بتناوب بين الألعاب الشتوية والألعاب الصيفية، أي كل أربع سنوات للعبة نفسها، ولا تقتصر فوائدها على الجانب الرياضي، لكنها مهمة في الجانب الاقتصادي والسياسي أيضاً، كما أن لها فائدة في رفع الروح المعنوية لمواطني الدول المشاركة، حين يحصل أحد أفراد تلك الدول على ميدالية ذهبية بشكل خاص، بل إن ذلك الفائز يصبح ملهماً للكثير من الشباب ليحذو حذوه، فيشعل جذوة الحماس والاهتمام والرغبة في التفوق، كما رأينا من اهتمام بالغ حين فاز البطل طارق حامدي بالميدالية الفضية في لعبة الكاراتيه، حيث ظهر الاهتمام على المستوى الشعبي والرسمي، وكما رأينا في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تميزت أولمبياد طوكيو بمشاركة كبيرة من السيدات، هي الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية، حيث قارب عدد النساء المشاركات عدد الرجال، وقد تم ذلك بجهود الاتحادات النسائية الرياضية على مستوى العالم، كل ذلك يدعونا إلى الاستعداد المبكر ليس للدورة المقبلة فقط لكن للدورات التي ستأتي بعدها تباعاً. "البرّ في رجب" الذي هو عنوان هذا المقال يرمز إلى ضرورة الاستعداد المبكر، والقصة هي أن أحد الأشخاص أراد أن يحج، وكان ذلك قبل مجيء السيارات، فقام بتغذية ناقته وقدم لها الكثير من الأكل مع اقتراب موسم الحج فأصابتها التخمة وماتت، فقيل له: الواجب لو أنك بدأت إطعامها من شهر رجب، أي قبل موسم الحج بأشهر، وهذا ينطبق على الكثير من الأعمال التي لا تعطى الوقت الكافي للتخطيط والتجهيز والتنفيذ، عليه أقترح الخطوات الآتية: أولاً: كل ما كان التخطيط والتنفيذ مبكراً، كانت النتائج أفضل، يجب أن يكون التخطيط للدورة الأولمبية المقبلة من اليوم، إضافة إلى التخطيط للدورات الأولمبية التي بعد ثماني سنوات واثنتي عشرة سنة وما بعدها، على أن يشمل التخطيط والتدريب أكثر الألعاب الفردية وليس الألعاب الجماعية ككرة القدم فقط، فالميدالية واحدة سواء كانت للعبة جماعية أو مسابقة فردية في السباحة أو رمي الرمح وسباق المئتي متر، مشكلة الأندية الرياضية لدينا هي التركيز على كرة القدم وإهمال ما عداها، حيث تستأثر هذه اللعبة الشعبية بمعظم ميزانية النادي وجهود إدارييه ومدربيه. ثانياً: كثير من المشاركين والمشاركات وفي الألعاب الأولمبية بدؤوا تدريباتهم في سن مبكرة، وتعد المدارس من أهم الروافد التي تغذي الفرق الرياضية باللاعبين عن طريق اكتشاف المواهب مبكراً وتدريبها ورعايتها في جميع مراحل الدراسة وحتى الجامعة أو المعاهد المتخصصة، والرياضة ليست مفيدة في الحصول على الميداليات في المسابقات الدولية فقط، لكنها تنعكس إيجاباً على شخصية وصحة الطالب المشارك. ثالثاً: لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة -وكما أردد دائماً- فالنماذج موجودة والمدربون موجودون على مستوى العالم ولمختلف الألعاب التي نرغب التركيز عليها والفوز بها، إحضار مدربين متمكنين مع وضع برامج وطنية تطبق على مستوى المدارس والأندية مهم للنهوض بالرياضة بشكل عام. رابعاً: في سبيل الاتقان والتميز لا غنى عن التدريب العميق والمستمر، وهذا لا يخضع لما يتم صرفه من مبالغ بقدر وجود الشغف والاستمرار لدى المتدرب، وهذا يأتي من وجود نماذج وطنية يقتدى بها، وتشجيع الأهل والمدرسة ووزارة الرياضة كما رأينا في الحفاوة الكبيرة للبطل لاعب الكاراتيه. المملكة مهيأة لأن تتصدر الدول العربية والإسلامية في حصد الجوائز والميداليات في مختلف الميادين العلمية والرياضية والفنية، نظراً لما تتمتع به من إمكانات وقيادة متابعة، ولديها الرغبة الأكيدة في تحقيق نتائج مفرحة.