يعتبر الباحث في العلوم السياسية حاتم مراد أن تولي الرئيس التونسي قيس سعيّد السلطة التنفيذية، وتجميد أعمال البرلمان لشهر، لوضع حد للانحرافات التي تضعف الديموقراطية الناشئة، رهان قوي وتحفه المخاطر، إلا أن سعيّد متعطش للعدالة وتحقيق تطلعات التونسيين. ما هدف قيس سعيّد؟ * * ينطلق قيس سعيّد من حصيلة يتفق حولها الكثيرون، ألا وهي انحرافات النظام في تونس بسبب الفساد والإفلات من العقاب، والعنف البرلماني، فضلاً عن طبقة سياسية متكوّنة من هوّاة. وهو يحاول حلّ مشكلة تمركز حركة النهضة في وزارة الداخلية والعدل، وقد وظفت القضاء من أجل مصالحها السياسية، ما يعزّز الفساد والإفلات من العقاب في البلاد. هناك تحالفات بين قضاة وشبكات أمنية موازية وأوساط أعمال ولوبيات سياسية، وهذا ما يعمل سعيّد على استهدافه وإسقاطه منذ زمن. منعت هذه الشبكات من توجيه اتهامات في عمليتي اغتيال معارضين لحزب النهضة شكري بلعيد ومحمد البراهمي في العام 2013، على الرغم من أن هناك أدلة دامغة ضد وزارة الداخلية ومتطرفين. هو مثل روبيسبير متعطش للعدالة، ولكن بحثه المطلق عن العدالة محفوف بالمخاطر. هل يمثل ذلك خطراً على التجربة الديموقراطية التونسية؟ * * المستقبل غامض، وهذا صراع مرير وحرب خنادق يقودها "منقذ" يحظى بدعم واسع. يشارك الجيش في السلطة بعد أن أحاط سعيّد نفسه بكوادر من الجيش لإسقاط النهضة، والبدء في تتبعات قضائية. كان بالإمكان أن يقبل المثقفون إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي. خلال لقاءاته الأولى، اجتمع سعيّد بكل من "الاتحاد العام التونسي للشغل" (المركزية النقابية)، و"منظمة الأعراف"، و"جمعية النساء الديموقراطيات"، ومنظمات أخرى لها ثقلها في البلاد. ما المراحل المقبلة؟ * * الرئيس وحده يعلم ماذا سيحصل، سيعيّن رئيساً للحكومة، وسيشكل فريقه الحكومي من الذين يثق بهم، لكن باستطاعته أن يغيّر من استراتيجيته أو ربما يرتجل قرارات إذا ما حتمت عليه الظروف ذلك. سنترقب التسميات القادمة وطريقة نقاشه مع المنظمات المدنية والدولية، وقبوله أو لا للنقاش والانتقادات، لديه قناعات أخلاقية لا تتزحزح، يتحاشى النقاشات ونادراً ما يقبل بتنازلات. وفي السياق، ومع انتصاف مهلة الثلاثين يوماً التي جمّد الرئيس قيس سعيّد خلالها عمل البرلمان، وأعلن تدابير استثنائية، ومنح نفسه صلاحيات السلطة التنفيذية، لا يزال التونسيون يترقبون تعيين رئيس حكومة جديد فيما تتكثف الدعوات لتسريع ذلك. ومنذ 25 يوليو، اتخذ سعيّد قرارات متفرقة غير منتظرة، منها تعيينه لخبيرة في المالية والضرائب على رأس وزارة الاقتصاد، ومتخصص في السلامة المعلوماتية في مهام وزير جديد لتكنولوجيات الاتصال. والجمعة، قام بتسمية الطبيب العميد علي مرابط الكادر في الجيش التونسي، والذي كان مشرفاً على حملة التطعيم، وزيراً جديداً للصحة. تداولت وسائل إعلام محلية عدة أسماء مرشحة لتولي منصب رئاسة الحكومة من بينها وزير الداخلية الأسبق والمقرب من سعيّد توفيق شرف الدين، الذي أشرف على حملته الانتخابية في العام 2019، وأقاله المشيشي بضغط من حزب النهضة، صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، والذي تسبب نزاعه السياسي مع الرئيس بشلل مؤسساتي قاد إلى الأزمة الحالية. كما يتم التداول باسم الخبير الاقتصادي ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي فضلاً عن موظف سام في البنك الدولي. انتظار كبير ولم يعلن بعد سعيّد اسم الشخصية التي سيكلفها تشكيل الحكومة، ورجحت وسائل إعلام محلية أن السبب يعود لرفض بعض الشخصيات تولي المنصب. وانتظارات التونسيين منذ تولي سعيّد السلطة كبيرة، وتتزامن مع وضع اقتصادي واجتماعي وصحي صعب تمر به البلاد. ويعتمد اقتصاد تونس بصفة كبيرة على قطاع السياحة التي تمثل 14 % من الناتج الداخلي الخام. وللموسم الثاني على التوالي، تراجع بحدة مردود هذا القطاع بسبب الجائحة التي عادت بقوة خلال موسم الصيف. كما تأثرت قطاعات اقتصادية أخرى بسبب حظر الجولان الليلي الذي أقرّ منذ أكتوبر الفائت لمحاصرة انتشار الفيروس. وجاءت قرارات سعيّد في فترة تخوض فيها تونس مفاوضات متقدمة مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج تمويل جديد هو الرابع خلال عشر سنوات مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية مؤلمة. وتدعم شريحة كبيرة من التونسيين الذين خرجوا ليلة إعلان سعيّد عن قراراته للاحتفال بالشوارع، خيارات الرئيس، وينتظرون منه الضرب بقوة في ملفات الفساد والإفلات من العقاب في تعبير واضح عن سخطهم من الطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة منذ سنوات. ورفع سعيّد الحصانة عن نواب البرلمان وبدأت ملاحقة بعضهم قضائياً في ملفات قديمة، وعبّرت منظمات عن مخاوف وقلق تجاه عدم احترام الحقوق والحريات. وفي رده على ذلك، أكد سعيّد مردداً مقولة شهيرة للجنرال الفرنسي شارل ديغول "كبرت على أن أصبح دكتاتوراً"، مشدداً على أن الإقالات ستشمل فقط كل ملاحق من العدالة. ويقول المحلل في منظمة "البوصلة" التي تتابع أعمال البرلمان أيمن بن صالح "بعض النواب الملاحقين من القضاء يعتمدون على الحصانة ويحتمون بها"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "نقص في المعطيات حول هذه التوقيفات". وتقدر منظمة "أنا يقظ" أن 14 نائباً يلاحقون قضائياً، وهم متهمون في قضايا مختلفة كالتهرب الضريبي والاحتيال وفساد وتضارب مصالح وتحرش جنسي. يمكن التمديد ودعت منظمات حقوقية عدة إزاء ما وصفوه بالفراغ السياسي الرئيس قيس سعيّد إلى التسريع بتقديم رئيس حكومة جديد وفريق عمله، وتوضيح استراتيجية عملها. وفي المرسوم الرئاسي الذي أصدره سعيّد، وردت عبارة "يمكن التمديد" في ما يخص مدة تجميد أعمال البرلمان بثلاثين يوماً. الرئيس التونسي يسعى لإخراج تونس من مأزق الفساد وطوق المتنفذين على حساب الدولة (أ ف ب)