زار وفد من رؤساء البعثات الدبلوماسية في الأراضي الفلسطينية والقدس أمس، قرية بيتا جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في أعقاب تزايد عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد السكان الفلسطينيين. وضم الوفد ممثلين من بلجيكا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وليتوانيا وهولندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة وإيرلندا. وقال بيان صادر عن رؤساء البعثات تلقت "الرياض" نسخة منه إن الزيارة جاءت استجابة للمخاوف المتزايدة -في جميع أنحاء الضفة الغربية بشكل عام وفي بيتا على وجه الخصوص- بشأن تزايد معدلات عنف المستوطنين. وأعرب البيان عن القلق المتزايد نتيجة إقامة بؤرة استيطانية غير قانونية على قمة جبل صبيح الملاصق لقرية بيتا مما تسبب في اشتباكات عديدة بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين والقوات الإسرائيلية. ووفقا لمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، استشهد ستة فلسطينيين، بينهم طفلان، منذ بداية شهر مايو الماضي في محيط قرية بيتا نتيجة إطلاق الجنود الإسرائيليين الرصاص الحي. والتقى رؤساء البعثات وممثلو الدول خلال الزيارة بأهالي القرية واستمعوا للتحديات التي يواجهونها في الميدان، والتي غالبا ما تؤدي إلى حوادث عنيفة جراء وجود منازل السكان بالقرب من البؤرة الاستيطانية. ونقل البيان عن السكان خشيتهم من خسارة المزيد من الأراضي والتعرض لمزيد من عنف المستوطنين، وعدم وجود تدابير وقائية فعالة وحماية كافية ضد مرتكبي العنف من المستوطنين. ووفقا ل (OCHA)، فإن العدد الإجمالي لهجمات المستوطنين في جميع أنحاء الضفة الغربية التي أدت لإصابات أو أضرار في الممتلكات في عام 2021 قد ارتفع بنسبة 46 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي الوقت نفسه، ذكرت منظمة "يش دين" الإسرائيلية (منظمة حقوقية غير حكومية) أن 96 % من التحقيقات من قبل السلطات الإسرائيلية في أعمال عنف المستوطنين لا تقدم بها لائحة اتهام. وأعرب البيان عن معارضة كل من شارك في الزيارة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية والإجراءات المتخذة في هذا السياق. كما أكدوا على أن إسرائيل كقوة محتلة ملزمة بحماية السكان الفلسطينيين بموجب القانون الدولي كما أنها ملزمة بالحفاظ على النظام العام بطريقة محايدة وبحماية الفلسطينيين وممتلكاتهم. وطالب البيان بضرورة محاسبة المستوطنين وغيرهم من المسؤولين عن الجرائم ضد الفلسطينيين، وإجراء تحقيق شامل بشأن أعمال العنف ومتابعة التقارير التي يوجهها الفلسطينيون إلى السلطات الإسرائيلية. ودعا البيان إسرائيل إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان الحماية للفلسطينيين من العنف الذي يرتكبه المستوطنون. ودانت القنصل البريطاني العام ديان كورنر في ختام الزيارة، أي أعمال عنف من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين. وحثت ديان كورنر إسرائيل على التصدي لعنف المستوطنين وإجراء تحقيقات شاملة لجميع أعمال العنف وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب. وقالت كورنر: إن موقف المملكة المتحدة من المستوطنات واضح وهو أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة أمام السلام، وتهدد إمكانية حل الدولتين. من جهته صرح ممثل الاتحاد الأوروبي، سفين كون فون بورغسدورف بأن سكان بيتا تعرضوا خلال الأشهر الأخيرة لأحداث خطيرة من عنف المستوطنين وبناء بؤرة استيطانية إسرائيلية غير شرعية على جبل صبيح الأمر الذي ينذر بالاستيلاء على ما يصل إلى 30 % من أراضي القرية، مما زاد من المعاناة للعائلات هناك. واعتبر أن سياسة بناء المستوطنات وتوسعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدسالشرقية، غير قانونية بموجب القانون الدولي، مضيفا أنه يتعين على إسرائيل حماية السكان الفلسطينيين من هذه الهجمات العنيفة . وتشهد قرية بيتا مواجهات يوميا منذ أكثر من شهرين، ضمن فعاليات احتجاجية ضد إقامة بؤرة استيطانية على قمة جبل صبيح في البلدة على مساحة 20 دونما، تهدد بقطع تواصل البلدة والاستيلاء على أراضيها. من جهة أخرى بدأ الاحتلال الإسرائيلي العمل فعليًا في مخطط لبناء حي استيطاني جديد على أراضي "مطار قلنديا" التاريخي شمالي القدسالمحتلة، رغم المعارضة الدولية للمشروع. ويقع "مطار قلنديا" بين مدينتي القدسورام الله، واستولت سلطات الاحتلال عليه بعد احتلالها المدينة عام 1967، وضمته إليها عام 1981 بموجب "قانون القدس"، لكنها أغلقته عام 2000، وأطلقت عليه اسم "مطار عطاروت". وأقام الاحتلال على أرض المطار، حاجز قلنديا الذي يفصل شمال القدس عن رام الله، وفي فبراير عام 2012 حولته إلى منطقة صناعية. ويوضح الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب أن بلدية الاحتلال بالقدس بدأت العمل في البنية التحتية وشق عدة شوارع في معبر قلنديا، والترويج للخطة الاستيطانية الهادفة إلى إقامة حي استيطاني ضخم في المنطقة على مساحة 1240 دونم من أراضي المطار، كانت أقرته "اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم" عام 2020. ويضيف أن الأعمال ستشمل شق أربعة شوارع كي تُوصل منطقة "مطار قلنديا" بالمستوطنات شرقي القدس، وحتى الأغوار والساحل الفلسطيني، وكذلك شرق طريق من المنطقة الجنوبية إلى مدينة القدس وصولًا لمدينتي بيت لحم والخليل. وبحسبه، فإن الحي الاستيطاني يشمل بناء 9 آلاف وحدة استيطانية لإسكان اليهود المتشددين "الحريديم"، بالإضافة لإقامة أماكن ترفيهية وتجارية ومنطقة صناعية، وفندق ضخم يضم 20 طابقًا، وعدة بنايات عالية، وغيرها من المنشآت. وتشرف وزارة الإسكان الإسرائيلية -وفقًا لأبو دياب- على المشروع الاستيطاني بالتعاون مع بلدية الاحتلال، وبدعم من اليمين الإسرائيلي المتطرف. ويبين أن هذا المشروع يهدف إلى فصل مدينة القدس عن الضفة الغربية، وخاصة المنطقة الشمالية، والتي سيتم إغلاقها نهائيًا، كجزء من استكمال إقامة حزام استيطاني في محيط المدينة، وبناء وحدات استيطانية للمستوطنين. ويستهدف المشروع الاستيطاني، توسيع وتغيير حدود مدينة القدس، وتقطيع أوصال القرى الفلسطينية الواقعة في المنطقة، ومنع أي تواصل أو تمدد جغرافي حتى مع الأحياء والتجمعات الفلسطينية. ويشير أبو دياب إلى أن هذا المشروع سيصبح أكبر تجمع استيطاني بعد "معاليه أدوميم" شرقي القدس، ويأتي ضمن ما يسمى "مخطط القدس 2030"، والذي يهدف لتغيير الوجه الحضاري للمدينة بشكل كامل. ويوضح أن سلطات الاحتلال حرمت الفلسطينيين من استثمار أراضي المطار المهجور، لصالح البناء والتوسع العمراني، في المقابل تتيح للمستوطنين السيطرة على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها. ويلفت إلى أن جزءًا من أراضي المطار ذات ملكية فلسطينية خاصة، والجزء الآخر منها يعود لأشخاص من دولة الكويت، لكن وزارة الإسكان الإسرائيلية تدعي أنها تعود "للدولة، وللصندوق القومي لإسرائيل". وبحسب المخطط، ستجري "إعادة توزيع الملكية في المنطقة قبل إصدار التراخيص، دون موافقة أصحاب الأراضي". وقبل عدة سنوات، قرر مستثمرون فلسطينيون استغلال أرض المطار الفارغة لصالح إقامة قرية فلسطينية نموذجية حديثة، إلا أن الاحتلال صادر الأرض ومنع أي عمل أو استثمار فيها، سوى لمصلحة المستوطنين. وكان المخطط الاستيطاني أثار معارضة سياسية واسعة النطاق في الولاياتالمتحدة وأوروبا، وتم تجميده وتأجيله بأمر من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو. وبهذا الصدد، يقول أبو دياب: "رغم المعارضة الدولية، إلا أن حكومة نفتالي بينت لم تأبه لذلك، وتصر على تنفيذه، للسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات".