بعض الخبراء في أميركا يصفون تطبيقات توصيل الطلبات بالفقاعة، ويعتقدون أنها ستعود إلى وضعها قبل الجائحة، وهم يستدلون على ذلك بمعلومات نشرها موقع حجوزات المطاعم العالمي أوبن تايبل، وأكد فيها عودة الناس مجدداً إلى الأكل خارج بيوتهم، رغم أني لا أتصور أن التحولات الجذرية التي أحدثتها كورونا يمكن تغييرها، فقد أصبحت الرقمنة سمة غالبة على كل المجتمعات وفي أغلب المجالات، ويوجد أكثر من 360 تطبيقاً لتوصيل الأطعمة حول العالم، ومعظم هذه التطبيقات يستقبل ما يتجاوز المليون طلب في السنة، وحصتها في سوق الطعام تقدر بنحو 80 مليار دولار، والرقم الأخير لا يمثل إلا واحداً في المئة من السوق. شركات التوصيل السعودية بدأت في المنطقة الشرقية، واستخدمت الهاتف العادي لاستقبال الطلبات وتوصيلها، وكان ذلك في حدود سنة 2004، وفي المقابل عرفت أميركا طلبات الإنترنت في منتصف تسعينات القرن الماضي، وفي آخر ست سنوات ظهرت النسخ السعودية من النموذج الأميركي، ولكنها لم تنجح وتنتشر إلا في زمن كورونا، فقد كانت الخيار الوحيد لتجاوز حظر التجول والحصول على الطعام الجاهز، وأصبحت في الوقت الجاري تحقق أرباحاً مليارية، وتشارك أصحاب المطعم في 30 % من قيمة الوجبة الواحدة. هذا وبحسب إحصاءات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، هناك ما يقرب من واحد وأربعين تطبيق توصيل مسجل ومعتمد في المملكة، وبالمقارنة مع المشهد السابق لكورونا سنجد أن أعداد التطبيقات قفزت بنسبة 310 %، وأن طلبات الأونلاين من مطاعم المملكة شكلت ما نسبته 65 % من إجمالي مبيعات 2021. تطبيقات التوصيل تقوم على فكرة الاقتصاد التشاركي، وعلى المنصات متعددة الأوجه، وتعد بمثابة وسيط يوفق بين ثلاثة أطراف مستقلة: المطعم والزبون ومندوب التوصيل، والاعتماد على الطلبات الخارجية قاد المطاعم السعودية إلى الاقتصاد في فتح فروع جديدة، واستبدالها بفتح مطابخ مركزية تخدم مناطق جغرافية أكبر، والمبلغ المقطوع للمندوب يصل إلى 15 ريالاً في كل طلبية، وبمتوسط شهري يبلغ عشرة آلاف ريال للمتفرغ، وستة آلاف ريال لغير المتفرغ، وبالتالي يمكن الاستفادة منه كدخل إضافي، أو كعمل مؤقت لمن لا يعمل. الملفت هو أن نسبة السعوديين العاملين كمناديب توصيل محدودة، ولا تزيد على 10 % من أصل 100 ألف مندوب، والدولة مهتمة بتوطين سوق التوصيل الإلكتروني، واللوجستيات بشكل عام، لتمكين السعوديين من أخذ مكانهم فيها كقوة أساسية للعمل والإنتاج، وتوجد مبادرة حكومية تعمل عليها الأجهزة المختصة، وتتضمن دعم من يعمل في قطاع التوصيل بمبلغ ثلاثة آلاف ريال لمدة شهرين، وبما يضمن دورة صحية للاقتصاد المحلي وللأمن الوطني، فالثابت أن العمالة غير السعودية أو المخالفة والرخيصة تسيطر على مداخيل السوق، وتستخدم السعودي كواجهة في بعض الأحيان، وربما جاء الطلب بسيارة كفيل المندوب أو بسيارة مسروقة لمجهول الهوية.