وصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الخميس الى العاصمة الأميركية واشنطن لإجراء محادثاث مع الرئيس الاميركي جو بايدن في زيارة رسمية أخيرة لميركل للولايات المتحدة قبل أن تغادر منصبها حيث تؤدي حكومة جديدة اليمين الدستورية في ألمانيا في سبتمبر المقبل. ويعتبر الرئيس جو بايدن، رابع رئيس أميركي تلتقيه المستشارة الألمانية منذ أن تسلّمت منصبها الذي شغلته لمدة 15 عام، مرّت خلالها العلاقة الأميركية - الألمانية بالكثير من المطبّات ليوصف عهد بادين بأنه الأفضل بالنسبة للحلفاء الأوروبيين من عهدي الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترمب. ومنذ أن أدت ميركل اليمين الدستورية لأول مرة في نوفمبر 2005، احتفت واشنطن بميركل عدة مرات، ففي العام 2009 تمت دعوتها لإلقاء كلمة في مجلسي النواب والشيوخ، وبعد ذلك بعامين، منحها الرئيس باراك أوباما أعلى وسام مدني في البلاد، وهو وسام الحرية الرئاسي الأميركي. وفي خطابها أمام الكونغرس في العام 2009، تحدثت السيدة ميركل عن رؤيتها كطفلة كبرت في ظل الشيوعية للولايات المتحدة الاميركية قائلة "لقد تحمست دائماً للحلم الأميركي، الذي يمنح أي شخص حرية النجاح بجهوده الخاصة". وبالإضافة إلى محادثاتها مع الرئيس بايدن يوم الخميس، التقت ميركل بنائبة الرئيس كامالا هاريس، حيث هنّأتها ميركل بحرارة معتبرة كامالا هاريس مصدر الهام لكثر في العالم باعتبار هاريس أول امراة تشغل منصب نائب الرئيس الأميركي، بالاضافة الى كونها تنتمي لعائلة مهاجرين. ومن المتوقع أن تتخلل زيارة ميركل لواشنطن والتي تستغرق يوماً واحداً الكثير من المراسيم التقليدية منها منح ميركل الدكتوراه الفخرية من جامعة "جونز هوبكنز"، ثم تناول عشاء مشترك بين المستشارة الألمانية ميركل وزوجها عالم الكيمياء يواكيم سوير برفقة العائلة الأولى في البيت الأبيض. وعلى الرغم من كون زيارة ميركل الحالية للولايات المتحدة أخر زيارة رسمية لها الى واشنطن، قد لا تكون الزيارة الأخيرة لميركل البالغة من العمر 66 عاماً، والتي كانت قد صرّحت في الماضي أن نشأتها في ألمانياالشرقية تحت سيطرة السلطات الشيوعية جعلتها تحلم بقضاء ما تبقى من عمرها بعد التقاعد في الولاياتالمتحدة إلا أن ميركل لم تفصح عن خططها بعد التقاعد. هل تعيد ميركل دفء العلاقات؟ تعتبر العلاقات الألمانية الأميركية من أكثر العلاقات الدولية رسوخاً، إلا أنها واجهت خلافات كبيرة خلال فترة حكم أنجيلا ميركل منها الخلافات حول معسكر الاعتقال غوانتانامو، واتهامات ألمانيا لوكالة الأمن القومي الأميركي بالتنصّت على مكالمات ميركل في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والخلاف حول خط الأنابيب نورد ستريم 2، ثم الخلافات والتباعد الفكري المطلق بين البلدين في عهد الرئيس ترمب التي هدد العلاقة الأميركية - الألمانية حين أراد سحب القوات الأميركية بشكل نهائي من ألمانيا موجّهاً سلسلة ضغوطات على ألمانيا لتسهم بشكل أكبر في حلف الناتو، بالاضافة الى اعتباره سيارات "مرسيدس" الألمانية مصدر تهديد للأمن القومي والاقتصادي الأميركي. وبينما بدأ الرئيس بايدن عهده برفع العقوبات الاميركية المرتبطة بخط الأنابيب "نورد ستريم 2" أملاً بتخفيف الخلافات بين البلدين، تخشى ألمانيا من التذبذب في العلاقة الأميركية - الألمانية أمام الصراع السياسي المتصاعد في واشنطن، حيث يقول المحلل الاميركي "باول رايان" من مجموعة الدراسات الأمنية ل"الرياض" أن كل من ميركل وبايدن ينتميان الى المدرسة المؤمنة بأهمية العلاقات العابرة للأطلسي وضرورة الشراكة الأوروبية - الأميركية ولكن ضمان استمرار الوضع على ما هو عليه غير ممكن في المتغيرات السياسية في أميركا قد تأتي بادارة جديدة ترى ما رأته ادارة ترمب وتعاود الضغوطات على الحلفاء الأوروبيين ما قد يخلق صدعاً جديداً في العلاقة، بالإضافة إلى أن ألمانيا باتت ترى مصالحها في تعدد علاقاتها بما في ذلك مع الصينوروسيا، مضيفاً، ميركل في هذه الزيارة الرمزية الهامة تحاول أن تثبّت مكتسبات عهد بايدن ولكن البحث عن بدلاء وشركاء اخرين الى جانب الولاياتالمتحدة بات في عمق القناعات السياسية الأوروبية. الصين ويقول المحلل السياسي الأميركي "باول رايان" إن أهم أولويات إدارة جو بايدن هي ضمان وقوف ألمانيا باقتصادها الضخم الى جانب الولاياتالمتحدة في حربها التجارية مع الصين والاستراتيجية مع روسيا ليكون هذا الإنجاز أحد أهم مكاسب النصف الأول من عهد بايدن الرئاسي قبل الانتخابات التشريعية الهامة التي تجري في الولاياتالمتحدة العام المقبل إلا أنها مهمة صعبة وغير يسيرة. وتعتبر ميركل أحد عرّابي دعم العلاقات الأوروبية مع الصين، حيث باتت الصين الشريك التجاري الأهم لألمانيا بتبادل تجاري تجاوز ال 212 مليار يورو في العام 2020، كما كانت ميركل المسؤولة عن التقدم بصفقة استثمارية جديدة بين الاتحاد الأوروبي والصين لا تزال معلقة بانتظار موافقة كل أعضاء الاتحاد عليها. وبحسب مسؤولين ألمان مرافقين لميركل فإن موضوع الصين حضر بقوة في اللقاء الثنائي بين ميركل وبايدن حيث تحرص ميركل على عدم دفع ألمانيا للوصول إلى مرحلة يكون فيها من الضروري أن تختار ما بين الصينوالولاياتالمتحدة، مشددين على قناعة ميركل بضرورة التعاون مع الصين في القضايا العالمية مثل مكافحة تغير المناخ والتصدي للأوبئة. نور ستريم 2 تستمر قضية خط الأنابيب ستريم 2 بكونها أحد أكثر القضايا الشائكة التي تهدد العلاقة الأميركية - الألمانية، حيث يتّفق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة وقف هذا المشروع الروسي - الألماني الذي سيمتد مباشرة من ألمانيا الى روسيا تحت بحر البلطيق وعلى الرغم من معارضة الرئيس بايدن الشديدة لهذا المشروع قررت إدارته في مارس الماضي رفع العقوبات عن الشركات القائمة على بناء خط الأنابيب أملاً في إقناع ألمانيا بوقفه بالطرق الدبلوماسية. وكان بايدن قد رفع العقوبات عن الشركة الروسية التي تبني خط الأنابيب بعد أن صرّح رئيس الشركة الألماني بأن العقوبات غير قادرة على وقف المشروع الذي سيكتمل بحلول نهاية العام وقد تترتب عليه تصدّعات كبيرة في العلاقة الألمانية الأميركية. وتأتي خشية الولاياتالمتحدة من ستريم 2 لأنه يمكّن موسكو من امتلاك نفوذاً قوياً على أمن الطاقة في أوروبا، كما ترى واشنطن أنه يهدد اوكرانيا التي تكسب في الوقت الحالي حوالي مليار دولار سنوياً من خط الأنابيب الذي يمر عبر أراضيه والذي قد يتوقف العمل به فور اكتمال بناء ستريم 2. ويرى المحلل "باول رايان" أن الفشل في التوصل الى اجماع نهائي حول ستريم 2 يعكس فشل المحور الغربي التقليدي بالتوصل الى اجماع حول شكل العلاقة مع روسيا عموماً. براءة اللقاح تستمر المستشارة الألمانية برفض مقترح إدارة الرئيس بايدن الذي يدعو الى رفع براءات اختراع لقاحات فيروس كورونا، هي من القضايا التي احتلت مكاناً على جدول أعمال بايدن وميركل الخميس، حيث ترى ميركل أن حماية الملكية الفكرية للعلماء سيشجّعهم على مواصلة البحث والتطوير والتوصّل إلى الاختراعات المطلوبة باحترافية أكبر. .