لو لم يتدخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصياً إبان أزمة انهيار اتفاقية أوبك+ في أبريل العام الماضي، والتي على أثرها أفلست الأسواق واهتزت كبرى اقتصادات العالم، ولولا تدخل سموه لما أعيد إحياء الاتفاقية بتلك القوة التي مكنتها فوريا من إعادة الاستقرار لسوق الطاقة العالمي حتى الآن. وقال وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان «لنستذكر كيف كان وضعنا في أبريل ومن كان يصدق أن ما حصل من أبريل 2020 إلى اليوم كان حقيقيا، وقد تحقق ذلك نتيجة إيماننا بقدراتنا وتضحياتنا الجماعية». ويعيد سموه الذكرى مفاخراً «بأن أكبر المضحين كانت المملكة، وأكبر الداعمين لهذا الاتفاق كانت المملكة، ومن قام بالجهد الأكبر هو قيادة المملكة ممثلة بسمو ولي العهد شخصيا ولولا تدخله الشخصي في ذلك الشهر وفي تلك الظروف من مارس إلى أن تم الاتفاق، لما كان هذا الاتفاق» وما تخلله من حراك دبلوماسي بأعلى مستوى حيث أعرب القادة عن ارتياحهم البالغ لما أثمرت عنه الجهود السعودية المبذولة لتحقيق استقرار أسواق البترول العالمية، والتأكيد على ضرورة مواصلة الدول المنتجة القيام بمسؤولياتها. وكان التساؤل الشهير الذي طرحه وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بعد الإنجاز التاريخي متسائلا «كيف كنا في 6 مارس وكيف أصبحنا اليوم حيث كنا نستجدي خفض 1,5 مليون برميل إضافي، والان خفضنا ما يقارب 10 ملايين برميل في اليوم، وكم كنا نستجدي لأعوام طويلة من محاولات تمكنا من جعل بعض المنتجين من خارج أوبك واوبك+ في أن يمارسوا شيئا من التخفيضات والآن أصبحت تلك الدول هي التي تبادر بتخفيضات طوعية». وأعلن حينها الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو عن تفاصيل اتفاقية الخفض موضحاً بأنه تم تعديل إجمالي إنتاج النفط الخام بخفض مقدار 9.7 ملايين برميل في اليوم، بدءًا من 1 مايو 2020، لفترة أولية من شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020. وللفترة اللاحقة من 6 أشهر، من 1 يوليو إلى 31 ديسمبر 2020 بخفض 7.7 ملايين برميل في اليوم. وسيتبع ذلك خفض 5.8 ملايين برميل في اليوم لمدة 16 شهرًا، من 1 يناير 2021 إلى 30 أبريل 2022. كما تم اعتماد خط الأساس لحساب التعديلات والخفض بناء على إنتاج النفط في أكتوبر 2018، باستثناء السعودية والاتحاد الروسي، وكلاهما بنفس مستوى خط الأساس الذي يبلغ 11.0 مليون برميل في اليوم. وستكون الاتفاقية سارية حتى 30 أبريل 2022، ومع ذلك، ستتم مراجعة تمديد هذه الاتفاقية خلال ديسمبر 2021. فيما كشفت الأحداث المصيرية المتتابعة على مدى عام 2020 مدى القوى الحقيقية التي تمثلها المملكة في اقتصاد العالم واستقراره، وشاهد العالم كيف ترجو الدول العظمى المملكة لتتدخل في حلول الطاقة العالمية، وبالرغم من القوة البترولية الهائلة للولايات المتحدة وروسيا بصفتهما زعيما إنتاج وتصدير النفط في العالم بعد المملكة وحصتهما تمثل نحو 26% من إجمالي الإنتاج العالمي، إلا أنهما اعترفا للعالم بأن الحل بيد المملكة لاستعادة استقرار الأسواق النفط في العالم فهي أساساً القائدة لمنظمة الدول المنتجة للنفط أوبك المسؤولة عن ثلث الإنتاج العالمي، والسعودية أيضاً الحليف المؤسس لاتفاقية خفض الإنتاج المشترك في تحالف أوبك+ منذ 2016 من التأثير المثمر في حفظ توازن الأسواق. هذا الإنجاز التاريخي ثمنه أيضا رؤوسا دول، ووزراء نفط وشعوب العالم بوصفه انتصار سياسي نفطي باهر بعد أن اسدلت المملكة الستار عن أكبر معترك تخوضه صناعة النفط منذ تأسيسها باتفاق في أكبر صفقات القرن الحاسمة بإحياء المملكة لاتفاقية التعاون المشترك لخفض الإنتاج في تحالف أوبك+ والنجاح الباهر بموافقة جميع الدول على أكبر خفض تشهد الصناعة بنحو 10 ملايين برميل في اليوم تمثل نحو 10٪ من المعروض العالمي ابتداء من مايو القادم على أن تتقلص هذه التخفيضات حتى أبريل 2022، في أقوى تحالف بترولي تقوده المملكة بسعة صدر وسط جائحة الفيروس التاجي. إن أكبر ما تكشف من الدور المحوري للنفط في استقرار العالم حينما انتصرت أوبك بقيادة المملكة بجذب أكبر خصوم صناعة النفط مثل مجلس الشيوخ الأمريكي لحث الولاياتالمتحدة للعمل لدعم تحالف أوبك+ وكذلك فعلت كبرى الدول المنتجة للنفط من خارج أوبك. فيما أجمع ساسة النفط على حقيقة أن البترول يجمع العالم ويوحد الكلمة لمصلحة الاقتصاد العالمي ككيان واحد، وشاهد العالم المملكة وهي تعكف على برهنة هذا الواقع بقوة سياستها البترولية الحكيمة التي نجحت في إنعاش تحالف كان يحتضر وما نتج عنه من إحياء وتطوير لاتفاقية خفض الإنتاج المشترك التي كللت بأكبر صفقات كبح إمدادات النفط للسوق الدولية في تاريخ الصناعة. كانت المملكة قبيل بزوغ أزمة كورونا ولا تزال تلوح وتعظم من الإمكانات الهائلة والقوى غير المكتشفة الدفينة التي يمكن أن يؤديها البترول في التنمية الحضارية لشعوب العالم، بل تؤمن المملكة بقدرتها على تغيير المشهد التقليدي لاستثمارات البترول واقتصاداته وجعله أحد أهم مصادر الطاقة للعالم الأقل تلوثاً والأكثر طلباً واستخداماً مبتكراً مستداما والتصاقاً بالبيئة الخضراء، في حين لا يمكن للمملكة أن تحقق تلك التوجهات بمفردها وبمنأى من العالم. ومع ذلك لم تستكين المملكة من كثافة حملاتها لإقناع ساسة النفط ومناهضي اكتشافات البترول واستثماراته بأهمية العمل الدولي المشترك للنهوض بالنفط وتعظيم استخداماته قليلة البصمة الكربونية كثيفة العوائد السخية لاقتصادات العالم.