هل لدى السعودية المقومات التي تؤهلها للتحول إلى محور لوجستي رائد في المنطقة؟ الإجابة بكل تأكيد (نعم)، فهي تمتلك أكبر اقتصاد في منطقة شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، وتسهم بنحو 38 % من إجمالي الناتج المحلي و21 % من تعداد السكان في هذه المنطقة، ويعد موقعها المركزي مثاليًا، فهي تقع مباشرة على الطريق التجاري الذي يربط بين آسيا وأوروبا، الذي يمر منه 12 % من تجارة الحاويات سنويًا.. لم تعد "الصناعة اللوجستية"، بالنسبة للقيادة السعودية، مجرد إطار خدماتي كغيره من الخدمات الأخرى الموازية لها، بل باتت تنظر لهذا المسار على أنه أحد عناصر معادلة القوة المستقبلية للدول على الخريطة العالمية، لذلك تسعى جاهدة ليس فقط إلى تنويع قاعدتها الاقتصادية الوطنية، بل أيضًا المضي قدمًا في توسيع قطاع النقل والخدمات اللوجستي، من خلال تعزيز عمليات الابتكار والقدرة التكنولوجية، والاستثمارات العملاقة في تطوير كافة شبكات النقل البحرية، والجوية، والبرية. ولمعرفة أبعاد هذه المسألة، علينا أن نعي السعي الحثيث لصندوق الاستثمارات العامة للاستثمار في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، بهدف تحويل السعودية إلى مركز لوجستي عالمي للخدمات اللوجستية (برًا وبحرًا وجوًا)، من خلال تحسين الربط بالبنية التحتية للخدمات اللوجستية، ورفع قدرات القطاع اللوجستي، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، مع تعزيز ربط البحر الأحمر بسلاسل التوريد العالمية، بما يتماشى مع رؤية 2030 الطموحة. ربما السؤال المحوري والمشروع الذي قد يطرحه الرأي العام السعودي هو: لماذا تُبدي الدولة هذا الاهتمام بقطاع اللوجستيات؟، الإجابة ببساطة تحمل طابعًا تحفيزيًا اقتصاديًا، فوفقًا لأحدث التقارير (سوق الشحن والخدمات اللوجستية السعودي .. النمو والاتجاهات والتوقعات بين أعوام (2019 – 2024)، تقدر قيمة سوق الشحن والخدمات اللوجستية في المملكة بنحو 22.95 مليار دولار أمريكي ومن المتوقع أن تزيد نسبة النمو بمعدل سنوي يبلغ 7.35 % خلال فترة التوقعات. قطاع الشحن والخدمات اللوجستية في المملكة تُعد صناعة كبيرة وديناميكية، مدعومة بقوة بالاستثمارات التي تقودها الدولة في البنى التحتية للسكك الحديدية والمرافئ البحرية والطرق واللوجستيات والمطارات، وهناك عوامل تدفع الحكومة السعودية للاستثمار والتوسع الهائل لشبكات النقل في المملكة، هي "النمو الاقتصادي، والنضج السكاني والتحضر السريع"؛ ورؤيتها البعيدة لتكون بوابة لسلاسل الإمدادات التجارية في إفريقيا وآسيا وأوروبا. صحيح أن السعودية تتمتع بالموقع المركزي، وحجم اقتصادي هائل، وهو ما يعطيها ميزة فردية تساعدها في التحول إلى محور لوجستي إقليمي هام، ولكن لا يمكن التعويل على الحجم والموقع فقط، لذلك شرعت في تنفيذ برنامج طموح لتحسين الخدمات اللوجستية، يشمل تبسيط عمليات الاستيراد والتصدير، وتحسين البنية التحتية، وإصلاحات الحوكمة والجوانب التنظيمية، وتحرير وخصخصة السوق، وتمكنت بالفعل من تحقيق مكاسب مبكرة، منها تقليل فترة التخليص الجمركي وجعل العملية الجمركية أكثر انتظامًا، والتوسع في سعات أصول النقل الرئيسية، ومنح العديد من عقود الامتياز لمشغلين من القطاع الخاص. هل لدى السعودية المقومات التي تؤهلها للتحول إلى محور لوجستي رائد في المنطقة؟ الإجابة بكل تأكيد (نعم)، فهي تمتلك أكبر اقتصاد في منطقة شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، وتسهم بنحو 38 % من إجمالي الناتج المحلي و21 % من تعداد السكان في هذه المنطقة، ويعد موقعها المركزي مثاليًا، فهي تقع مباشرة على الطريق التجاري الذي يربط بين آسيا وأوروبا، الذي يمر منه 12 % من تجارة الحاويات سنويًا، وتسعى إلى تحقيق قفزة في ترتيبها بمؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة ال49 إلى ال25 عالمياً بحلول 2030، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 % إلى 50 % من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. يهيمن الشحن البحري على سوق النقل، ويؤدي دوراً رئيساً في استيراد وتصدير البضائع في جميع أنحاء البلاد، عبر 9 موانئ صناعية وتجارية يُشكِّلها 216 رصيفاً، موفرة ممرات ربط تنافسية وآمنة بين الاقتصاد الوطني والعالمي، وتنوي الحكومة السعودية باستكمال أكبر شبكة بحرية خليجية، بتحويلها إلى واحدة من أكفأ الأنظمة التكنولوجية والوظيفية عالميًا، وتمكنت من تقليل الوقت والتكلفة وزيادة الانتظام في استيراد السلع والبضائع من خلال إعادة هندسة العملية والاعتماد بشكل أكبر على الرقمنة، إذ يتم الآن فسح 80 % من البيانات الجمركية خلال 24 ساعة فقط، بعد أن كانت 1 % فقط في 2016. وفي قطاع الطيران تعمل المملكة على تحديث مطاراتها وتوسيع مرافق الشحنات الجوية، وزيادة إجمالي السعة المخصصة للشحنات من 0.8 مليون طن سنوياً إلى 6 مليون طن بحلول 2030، فيما تتميز شبكات طرقها البرية بالامتداد والنمو بإيقاع متصاعد، بما يوفر وسائل شاملة لنقل الركاب والبضائع داخل البلاد. وبسبب النشاط الصناعي، وتوسع التجارة الإلكترونية سيزدهر النقل البري، لذلك أنجزت أكبر شبكات الطرق في العالم الممتدة لأكثر من 200 ألف كيلومتر، منها 66 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، وتكتمل شبكة الطرق البرية هذه بأكثر من 1700 كيلو متر من السكك الحديدية التي تمتد بطول المملكة وعرضها، كما أن هناك مشروع الجسر البري الذي سيربط بين الساحلين الشرقي والغربي للمملكة، ومسارين حديديين جديدين هما خط السكة الحديدية الذي سيربط بين دول الخليج في الشرق، وخط السكة الحديدية ينبع-جدة في الغرب الذي يمر عبر ميناء الملك عبدالله ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، كما يتوقع في الفترة المقبلة إنشاء محطات لوجستية جديدة متعددة الأنماط لتلبية الطلب المتزايد على وسائل الربط بين البحر والجو والبر.. وهو التوجه الاستراتيجي الذي تعمل عليه قيادتنا الرشيدة.. دمتم بخير.