من الطبيعي أن يكون الاستهجان والتنكيت هو رد فعل وزراء البترول في أوبك على خارطة طريق وكالة الطاقة الدولية. التي تُطالب دول أوبك وشركات البترول العالمية بعدم الاستثمار في البترول وتركه مدفوناً تحت الأرض. لكن ليس أوبك وحدها، بل حتى مبادئ النظرية الاقتصادية تتعارض مع الطلب الغريب الذي يطلب من المنتجين لسلعة ضرورية يحتاج إليها الاقتصاد العالمي. وليس لها بديل كافٍ بالتوقف عن الاستثمار فيها، وبالتالي انخفاض إنتاجها وارتفاع سعرها باستمرار إلى مستويات غير مسبوقة وليس لها سقف أعلى. كيف غاب عن ذهن وكالة الطاقة الدولية IEA (وهي المسؤولة عن مصالح الثلاثين دولة الأكثر تقدماً صناعياً في العالم) هذه البديهية الاقتصادية؟ هذا يُوحي أن خارطة الطريق قد تم إعدادها على عجل لتصدر بوقت كافٍ قبل حلول موعد مؤتمر المناخ السادس والعشرين (COP.26). المقرر انعقاده في قلاسكو (بريطانيا) في نوفمبر المُقبل (بعد خمسة أشهر). في الأصل كان سيناريو تصفير الكربون بحلول العام 2050 ورد كواحد من ثلاثة سيناريوهات في تقرير شركة البترول البريطانية الصادر في سبتمبر 2020. لقد كان السيناريو الأول وهو في حالة استمرار الحال كما هي عليه الآن سيبقى البترول والغاز أكبر مصدر للطاقة حوالي 50 % من إجمالي الطاقة المستهلكة في عام 2050. وفي السيناريو الثاني وهو في حالة التحول السريع إلى المصادر المتجددة فستنخفض نسبة استهلاك البترول إلى 14 % من إجمالي استهلاك الطاقة عام 2050. ثم يأتي السيناريو الثالث - المُثير للجدل - وهو سيناريو تصفير صافي الكربون (Net Zero) فستنخفض نسبة استهلاك البترول إلى 6.8 % فقط من إجمالي استهلاك الطاقة بعد أن كانت 33 % عام 2019. وسينخفض استهلاك البترول إلى حوالي 20 مليون برميل في اليوم فقط بعد أن كان فوق 100 مليون برميل في اليوم العام 2019. السؤال هو لماذا اختارت وكالة الطاقة الدولية السيناريو المثير للجدل من بين السيناريوهات الثلاثة لتضع خارطة طريق لتحقيقه؟، أليس الأجدى لوكالة الطاقة اختيار سيناريو التحول السريع فهو الحل الوسط الذي يُحقق التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة من غير إلحاق الضرر الهائل بالاقتصاد العالمي. ويحرم الشعوب المتقدمة - ناهيك عن الشعوب النامية - من الحصول على مصادر الطاقة الرخيصة الضرورية لحياة الإنسان. لعل أقرب التفسيرات لهذا الاندفاع - بدون تفكير - لتصفير الكربون هو الحماس المتزايد بين السياسيين الأوروبيين لكسب أصوات أنصار المناخ النافد في أوروبا ومن ثم في أنحاء العالم. وهذا بدوره يدفع الدول المضيفة لمؤتمرات المناخ لتتسابق بتقديم الجديد أثناء استضافتهم للمؤتمر، وبالتالي شعرت الدولة المضيفة بريطانيا لمؤتمر المناخ المُقبل (COP.26) بأنه من المناسب أن تتقدم ببرنامج يخطف الأضواء من مؤتمر باريس للمناخ، ولذا وجدت بريطانيا في سيناريو تصفير الكربون الذي وضعته شركة البترول البريطانية فرصة سانحة لتحويل السيناريو - عن طريق وكالة الطاقة الدولية - إلى خارطة طريق يتم نقاشها خلال جلسات المؤتمر.