حياتنا مهما اتسعت خليطٌ متداخل من الاهتمام والتفكير ومن الانشغال والعمل، غير أنها لا تخرج عن نطاق دائرتين اثنتين لا ثالث لها، الأولى واسعة جداً وهي دائرة الاهتمام، والأخرى ضيقة وتدخل وسط الأولى وهي دائرة التأثير. أحمد الله أنني سمعت مبكراً بهاتين الدائرتين، بعد تخرجي من الجامعة من رجل أعمال ناجح، حينما لفت نظري لما تناوله الكاتب والمحفّز الشهير: "ستيف كوفي" في كتابه الأشهر "العادات السبع للناس الأكثر فعالية"، ضمن تفاصيل العادة الأولى: كن مبادراً، مما ساعدني على أخذ زمام المبادرة، وعدم إضاعة وقتي وجهدي فيما لا أستطيع التأثير عليه. دائرة التأثير تحوي المحيط الذي يعيش فيه الفرد ويستطيع التأثير عليه بشكل واضح، مثل النفس والأسرة والعمل، لذا يطلق عليها دائرة "التحكم والسيطرة"، كونه يحدد أفعاله وردات أفعاله، فهو يقرر ماذا يقرأ، متى يقرأ، طبيعة عمله، المهارات والهوايات التي يقضي وقته فيها، ونحو ذلك. أما دائرة الاهتمام، فهي المساحة الأوسع قُطراً، والتي تحيط بنا بشكل أكبر، ولنا اهتمام بها، لكنها خارجة عن تأثير "سيطرتنا وتحكمنا"، كما هي شؤون الاقتصاد ومستجدات السياسية وتقلّبات الطقس، والطريقة التي يفكر بها الآخرون تجاهنا! وغيرها مما لا يحصى. يؤكد "كوفي" في كتابه أن الدائرة التي تركز عليها وتستغل تفكيرك وتشتغل وقتك، وبالتالي تستنفد طاقتك، سوف تحدد مسار نجاحك في الحياة، فإما أن تركز على دائرة التأثير التي تتحكم بها وتزيد من فرص نجاحاتك، وإما أن تركز على دائرة الاهتمام كما هو غالب البشر، وبالتالي تفقد ميزة التأثير والاستفادة من النتائج، وتركن إلى الكسل وإلقاء اللوم على الجميع إلا نفسك. يرى "كوفي" أن طبيعتنا الشخصية هي من يحدد الطريقة التي نتعامل بها مع هاتين الدائرتين، فالأشخاص المبادرون هم الفاعلون الذين يرون أن أفعالهم وردات أفعالهم لها تأثير مباشرة على حياتهم، فإن غيّر أفعاله سوف يغيّر من حياته إلى الأفضل، أما الأشخاص الانفعاليون، أو "رد الفعل" كما نراهم حولنا، فهم من يؤمنون - وإن كانوا لا يعلمون - أن أفعالهم ليس لها تأثير كبير على واقعهم، فهم سلبيون لا يبادرون ولا يقومون بأي تغيير، بل ينتظرون ما يحدث ليؤثر على حياتهم. بالتأكيد لتكون شخصاً ناجحاً لا بد أن تكون مبادراً، يتحمل مسؤولية يومه ومستقبله، ويعمل على توسيع دائرة تأثير عبر توسيع دائرة عمله، وعدم تضييع الوقت والطاقة في التركيز على مجالات دائرة الاهتمام، فهي خارجة دائرة التأثير، وبالتالي لن تحقق تحقيق نتائج ملموسة على حياته من خلالها. القرار ببساطة بين يديك، أنت من يحدد أي الدائرتين تقف فيها، وأيهما تستهلك عقلك ووقتك وجهدك، وبالتالي ترسم حياتك ومستقبلك بناء على خيارك أنت وحدك.