عندما يتم إنتاج الطاقة الكهربائية في محطات التوليد تنقل عبر خطوط نقل وشبكات توزيع، فإن جزءًا من هذه الطاقة يتم فقده وضياعه في هذه الخطوط والشبكات، كما أنّ جزءًا آخر من هذه الطاقة يفقد ويهدر أيضًا عندما يتم استهلاكها في تشغيل التكييف والإنارة والأجهزة والمعدات الأخرى، ومن هنا يتضح وجود مجالات وفرص حقيقية لترشيد الطاقة وإنَّ من الأهمية بمكان العمل على تعظيم الاستفادة النهائية من الطاقة وتحسين كفاءتها إنتاجا ونقلا وتوزيعا واستخداما. وعلى المستوى العالمي فإن مجالات الترشيد في النظام الكهربائي متعددة لكنها تشمل بشكل رئيس محورين أساسيين هما: الترشيد في جهة الإمداد بالكهرباء (محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع) والترشيد في جهة الطلب على الكهرباء (المشتركون). وتتركز أهم أنشطة ترشيد الطاقة في جهة الإمداد بالكهرباء على رفع كفاءة الإنتاج بالاستغلال الأمثل للمصادر الطبيعية للطاقة والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الشمس، إلخ) إلى جانب الاستخدام الأمثل للوقود وتخفيض معدلات استهلاكه في محطات التوليد وتطبيق أسس التشغيل الاقتصادي الأمثل في النظام الكهربائي ورفع كفاءة وحدات التوليد المستخدمة بالإحلال والتجديد والصيانة الجيدة وتخفيض الفاقد في المنظومة الكهربائية وتحسين كفاءة الأداء في خطوط النقل وشبكات التوزيع. قد تنشأ ظروف عالمية سياسية واقتصادية وبيئية وصحية منها الحروب والكوارث وانتشار الأوبئة والجوائح وهذه بإمكانها أن تحدث مشكلات وعوائق في إمدادات الوقود مما يجعله عاملا مهما بالغ التأثير على أسعار الطاقة لينعكس ذلك على إمداداته واحتياطياته وأسعاره وتأثيراته على نمو الاقتصاد والتنمية حيث إن إمدادات الوقود تعد عنصرًا أساسيًا في العمليات الصناعية وفي كل مناحي الحياة، ونتيجة لهذه الظروف المتوقعة برزت للوجود نظرة جديدة مغايرة للنظرة السابقة تأخذ في الاعتبار الاستخدام الأمثل أو الأقل تكلفة لاستهلاك الطاقة، ومن هنا بدأ إجراء التحليلات والدراسات الاقتصادية وأخذ مفهوم ترشيد استخدام الطاقة والمحافظة عليها وتحسين كفاءة الاستخدام يتبلور ويلقي مزيدًا من العناية والتطبيق والانتشار، ومن ذلك يتضح أن البداية الحقيقية للترشيد يمكن إرجاعها إلى الأسباب الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود الذي أدى إلى زيادة تكاليف الطاقة واستخداماتها. وبالإضافة إلى ذلك فلقد تزايد الاهتمام عالميا بالمحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث ومعالجة المشكلات البيئية التي بدأت تلوح في الأفق مثل زيادة نسب غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وارتفاع درجات الحرارة واتساع ثقب الأوزون في الغلاف الجوي وترسيب الأمطار الحمضية مما يسبب أضرارًا على النباتات والحيوانات المائية والبنية التحتية. ولمعالجة تلك المشكلات بدأت الدراسات البيئية وازدادت أهميتها عالميا وإقليميا وعقد الكثير من المؤتمرات العالمية والاتفاقيات الدولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتزايد تركيز الغازات المنبعثة من جميع المصادر إلى الغلاف الجوي ومن بينها محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري. وأوضحت الدراسات البيئية أهمية وضرورة اللجوء إلى تقنيات وأساليب ترشيد الطاقة في جميع صورها (ومن بينها الطاقة الكهربائية) كبديل للتوسع في إنشاء المزيد من محطات توليد الكهرباء التي تسهم بقدر لا يستهان به في تلوث البيئة. وفي وقتنا الحاضر فإن التفكير في تنظيم مرافق الكهرباء وتشغيلها على أسس تجارية واقتصادية والأخذ في الاعتبار اهتمامات وتوجهات المجتمع ليعتبر من العوامل المؤثرة على استراتيجيات شركات الكهرباء، ولذلك فإن تحديد الاستثمارات لمشروعات الكهرباء تخضع للعديد من الدراسات والتحليلات حيث يجب إثبات أن هذه المشروعات ذات جدوى اقتصادية وفنية وأنها بالإضافة إلى ذلك ذات تأثيرات محدودة على البيئة وسلامتها، وعلى سبيل المثال فإن بناء محطة توليد أو حتى إنشاء خطوط نقل وتوزيع لم يعد من الأمور السهلة والتي يمكن تنفيذها على أساس الحاجة ومتطلبات الأحمال فقط وإنما تخضع لدراسات بيئية واقتصادية متعمقة، وقد ينعكس ذلك على البرامج الزمنية للتنفيذ وعلى اختيار مواقع هذه المشروعات، كما أن الجهات الممولة لهذه المشروعات تحتاج إلى مثل تلك الدراسات قبل الشروع في الموافقة على التمويل. وبناء على ذلك فإن برامج إدارة الطلب على الكهرباء والترشيد تعتبر الآن من أهم الاعتبارات التي تؤثر ليس فقط على استراتيجيات شركات الكهرباء ولكن أيضا على خططها وبرامجها الحالية والمستقبلية. ولقد أثبتت الدراسات (في بعض الحالات) أن برامج إدارة الطلب على الكهرباء وترشيد الطاقة تعتبر بديلا منافسا ومجديا مقارنة بالبديل الذي يعتمد على إنشاء محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع وأنها تمثل حلا مثاليا لمواجهة النمو في الأحمال الكهربائية المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك فإن الجهات التنظيمية لسوق الكهرباء تطلب من شركات ومرافق الكهرباء الأخذ في الاعتبار البدائل التي تعتمد على ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال جنبا إلى جنب مع البدائل التي تعتمد على التوسع في مشروعات التوليد والنقل والتوزيع، لذا تطورت استراتيجيات إدارة الطلب على الكهرباء وترشيد الطاقة بحيث أصبحت واحدة من أهم الاستراتيجيات لمرافق الكهرباء إلى درجة أن مؤسسات التنمية التابعة للأمم المتحدة صارت تدعم مشروعات كفاءة الطاقة في جميع دول العالم. جامعة الملك سعود