كان الكتاب ولا يزال على مر العصور هو مطلب من يبحث عن المعلومة الصحيحة سواءً من طالبي العلم أو المستزيدين منه، وكان الحصول عليه غاية في المشقة قبل أن تخترع الطباعة وتنتشر المطابع، حيث كان الكتاب ينسخ باليد ولا يتوفر منه سوى نسخ قليلة تجعل من الصعوبة بمكان حصول كل راغب في اقتنائه أن ينال مراده من ذلك، وإن توفر فإن ثمنه سيكون غالياً جداً، لذا كان من يملك الكتب تضرب إليه أكباد الإبل من أجل قراءته أو نسخ جزء منه، أو نسخه كاملاً في عدة أيام وربما شهور، وكان أكثر من يعاني من عدم توفره هم طالبو العلم، حيث يجوبون الآفاق من أجل الحصول عليه من بلدان متفرقة، وبعد أن اخترعت الطباعة التي يعود الفضل في اكتشافها إلى الألماني جوهان جوتنبرغ الذي ولد عام 1400م، وتوفي 1468م كما هو مشهور، إذ يقال إنه هو الذي اخترع الأحرف المتنقلة في أوروبا، وأدخل عليها تحسينات في مدينة ستراسبورج، ولكنه نقل مطبعته إلى مسقط رأسه في مدينة ماينز عام 1440م، أو على رواية أخرى بعد ذلك بقليل في عام 1448م، حيث طبع الكتب بها، ويقال إن كتبه الأولى ظهرت في السوق نحو عام 1445م والسنوات التالية، ومنها كتاب (الكاهنات العرافات) وكتاب (النحو اللاتيني) في ثلاث طبعات، ورغم السرية التي أحاط بها جوتنبرج اختراعه إلاّ أن الطباعة انتشرت انتشارًا سريعًا في البلاد الأوروبية الأخرى حيث ظهرت الطباعة في روما سنة 1465م وفي البندقية سنة 1469م، وفي باريس سنة 1470م وفي برشلونة سنة 1471م وفي إنجلترا سنة 1474م، وبعد ذلك انتشرت المطابع وبات الحصول على الكتاب ميسراً وسهلاً. مطبعة أم القرى وفي بلادنا بدأت طباعة الكتب في وقت مبكر، حيث تم تأسيس مطبعة أم القرى والتي طورت وحسن وضعها بإضافة بعض الآلات الجديدة وتزويدها بالفنيين وأصبحت هي المطبعة الحكومية الرسمية، وقد عرف أول كتاب مطبوع في المملكة عام 1343ه وهو كتاب تحفة الناسك بأحكام المناسك من تأليف الشيخ سليمان بن عبدالله الذي أمر بطباعته الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بمطبعة أم القرى بمكة المكرمة، وفي عام 1354ه وعام 1356ه أضيف إليها قسم خاص بالتجليد وخصصت لها بناية خاصة، وأرسل مجموعة من الشباب إلى مصر للتخصص في فن الطباعة، وصدر عام 1347ه أول نظام للمطابع والمطبوعات، وفتح المجال لافتتاح وتأسيس المطابع ضمن شروط ميسرة، وبعد ذلك انتشرت المكتبات في وقت مبكر وخصوصاً في المدن الكبرى وباتت تلك المكتبات تمارس نشاطها التجاري في بيع الكتب التي يقبل عليها أصحاب نهم القراءة وطالبو العلم في المعاهد والكليات والجامعات، وواكب ذلك نشر المكتبات في المدارس والجامعات، إضافةً إلى تأسيس المكتبات العامة في معظم مدن المملكة، وبات الحصول على الكتاب واقتناؤه واستعارته في متناول الجميع، وفي عصر التقنية والتكنولوجيا ومع انتشار أجهزة الاتصال الذكية والتطبيقات التي سهلت الوصول إلى الكتاب المطلوب في أي مكتبة في العالم بضغطة زر تراجع الإقبال على الكتب واقتنائها لدى الكثيرين، بفضل هذه التقنية الحديثة، فبعد أن كان الكتاب فيما مضى يصعب الحصول عليه بات مهجوراً للأغلبية من الناس على الرغم من الجهود التي يبذلها المسؤولون في وزارة الثقافة والإعلام لنشر ثقافة القراءة واقتناء الكتب من خلال تنظيم معارض الكتاب في كل عام في عدد من مناطق المملكة بمشاركة مجموعة كبيرة من دور النشر. حرص وتجليد وكانت الكتب بعد توحيد البلاد على يد مؤسسها الراحل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تتسم بالندرة، حيث لم يكن بإمكان أي أحد الحصول على ما يريده من الكتب، وكان جل ما يمتلكه محبو اقتناء الكتب من الباحثين وطلبة العلم يحضرونها من خارج البلاد حيث لم يكن يوجد مطابع تجارية تبيع الكتب في تلك الفترة، كما طباعة الكتب تتم بعدد محدود قد لا يتجاوز المئات للكتاب الواحد مما يجعل سعره مرتفعاً وفرصة الحصول عليه ضيقة نظراً لندرة نسخه في الأسواق والمكتبات، لذلك يعد من يمتلك كتاباً أو أكثر بأنه يمتلك ثروة أدبية قيمة، ومن أجل ذلك تجد أن من يقتني كتاباً يحرص عليه غاية الحرص فيقوم بتجليده والمحافظة عليه حيث يقوم بكتابة اسمه عليه، وقد يختم على صفحات الكتاب الأولى بختمه ليثبت ملكيته وحتى لا يضيع عندما يعيره للآخرين وإن كانت الإعارة لا تتم إلاّ في أضيق الحدود وللثقات من طلبة العلم أو الأدباء ممن يقدرون قيمة الكتب ويحافظون عليه، كما كان من يشتري كتاباً يرغبه بشده فإنه يفرح بذلك ويكتب اسمه عليه كإثبات بأن هذا الكتاب تعود ملكيته إليه، فلو فقد أو استعاره منه أحد فإنه سيستدل على صاحبه بوجود اسمه عليه، والبعض الآخر يختم عليه بختمه. إنشاء المكتبات وكان إنشاء المكتبات العامة في بلادنا قد بدأ منذ وقت مبكر ففي العاصمة الرياض كان يوجد ثلاث مكتبات عامة كما أورد ذلك الكاتب محمد بن عبدالرزاق القشعمي مستشهداً بما ذكره حسن الشنقيطي في كتابه (النهضة الأدبية بنجد) الصادر في 1370ه أنه يوجد في الرياض ثلاث مكتبات عامة، الأولى في قصر الملك وهي مكتبة فخمة مزودة بجميع الكتب المطبوعة، ويشرف عليها رشدي ملحس مدير الشعبة السياسية، والثانية مكتبة الأمير مساعد بن عبدالرحمن، وهي المكتبة الوحيدة داخل البلدة، وتفتح أول النهار وبعد الظهر، ولكنها تحتاج إلى من يقوم بترتيبها تصنيفاً وفهرسة، وفيها كثير من الكتب المطبوعة والمخطوطة التي لا مثيل لها، والثالثة مكتبة الشيخ محمد الحمد العمري أحد موظفي الشعبة السياسية بالرياض، وهي تحوي جميع أصناف الكتب المطبوعة والخطية، وتمتاز على غيرها بوجود الكتب الأوروبية والهندية والإنجليزية، ولكن يعوزها المكان اللائق والترتيب، أما مكتبة الأمير مساعد بن عبدالرحمن فهي المكتبة العامة الأولى التي تفتح أبوابها يوميا للجمهور، وهي تحتل جزءاً من منزله بين حلتي الحلة والدحو شمال شرق الرياض القديمة، ويذكر المعمرون من طلبة العلم أن هذه المكتبة كانت تفتح أبوابها من عام 1363ه لكل من يريد الاطلاع على كل جديد من الكتب الثقافية المنوعة، وكان القائم عليها الشيخ عبدالرحمن بن قاسم، ثم تناوب على إدارتها ابنه محمد بن قاسم، ثم زيد بن فياض، وقد ذكر عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله - أن بعض طلبة العلم يحرصون على التواجد بها قبيل صلاة الظهر، ليتسنى لهم مشاركة الأمير طعام الغداء، الذي اعتاد أن يدعو إليه جميع من في المكتبة، ويذكر المؤرخ عبدالرحمن الرويشد أن من رواد المكتبة: حمد الجاسر، ومحمد البليهد، وعبدالله فلبي، ورشدي ملحس، وعبدالله خياط، وعبدالرحمن القويز، وعبدالكريم الجهيمان، وبعد ذلك جاء قرار الملك فيصل - رحمه الله - بإنشاء إدارة عامة للمكتبات تتبع لوزارة المعارف آنذاك - وزارة التعليم حالياً - التي كانت ذلك الوقت تعمل على نشر التعليم في كل مناطق المملكة بوجود إدارة متخصصة في الوزارة تعمل على مواكبة التوسع الكمي في التعليم بالتوسع النوعي في نشر المكتبات في أرجاء البلاد، إضافةً إلى افتتاح المكبات في الجامعات، ومن ثم تأسيس مكتبة الملك فهد الوطنية. منصات ثقافية وفي ظل الاهتمام الكبير بالمكتبات العامة وإيماناً بدورها في المجتمع فقد أطلق صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود - وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة المكتبات - مبادرة تطوير المكتبات العامة والتي ستتولى إدارتها هيئة المكتبات وستعمل من خلالها على تحويل المكتبات العامة إلى منصاتٍ ثقافية بمفهوم شامل وحديث، تلتقي فيه كافة أنماط الإبداع الثقافي، ويجد فيه الأفراد من مختلف شرائح المجتمع ما يمنحهم المعرفة والمشاركة والتفاعل في تجربة ثقافية متكاملة، ويتضمن هذا التطوير توظيف المكتبات العامة لتعزيز مفهوم البيوت الثقافية والتي سبق أن أعلنت عنها وزارة الثقافة في وثيقة رؤيتها وتوجهاتها باعتبارها تخدم ذات الأهداف الثقافية والمجتمعية، وجاءت المبادرة بعد دراسة ميدانية أجرتها هيئة المكتبات لواقع المكتبات العامة في المملكة، ووضعت استناداً عليها خطة تطوير تمتد حتى العام 2030م تستهدف خلالها إنشاء 153 مكتبة عامة في جميع مناطق المملكة، وتعتمد جميعها على ذات المفهوم الشامل الذي يوائم بين الأدوار المعرفية للمكتبات العامة والأدوار الثقافية لبيوت الثقافة، على أن يتم إكمال أول 13 مكتبة منها في عام 2022م حتى يكتمل العدد النهائي لها بحلول عام 2030م، وتتكون المكتبات العامة بحسب المفهوم الجديد من عدة عناصر رئيسة، أولها مكتبة عامة تخدم الباحثين عن الكتب والمعرفة، ومسرح متكامل تقدم من خلاله العروض المسرحية والموسيقية ويشمل شاشات للعروض المرئية والسينمائية، إلى جانب قاعات متعددة الاستخدام، وغرف للتدريب تستضيف ورش العمل المختلفة، ومناطق مفتوحة للقراءة، إضافةً للمرافق العامة التي تجعل من زيارة المكتبات العامة تجربة ثقافية متكاملة. إثراء فكري وتم صياغة رؤية المبادرة بما يضمن أن تكون المكتبات العامة منارة ممكّنة للإثراء الفكري والتنمية الثقافية، وتهدف هيئة المكتبات من المبادرة إلى جعل المكتبات العامة منصات تفاعلية تحتوي جميع أنواع الفنون وتحتضن جميع المبدعين بمختلف تخصصاتهم في إطار واحد، إلى جانب دورها المعرفي الرئيس، لتصبح بهذا المفهوم الشامل منارات إشعاع ثقافي في المناطق التي تتواجد فيها، وستبدأ الهيئة بتنفيذ المبادرة تحت إشراف وزارة الثقافة وفي سياق المشروع الشامل للنهوض بالقطاع الثقافي السعودي الذي تتولى الوزارة تنظيمه وإدارته، يذكر أن قطاع المكتبات العامة في المملكة يتضمن المكتبات التي ما زالت قيد الانتقال من وزارة الإعلام إلى هيئة المكتبات التابعة لوزارة الثقافة، والتي سيتم تضمينها ضمن نطاق عمل مبادرة تطوير المكتبات العامة، وذلك لتطويرها بحسب المفهوم الثقافي الشامل الذي تسعى الهيئة من خلاله إلى جعل الثقافة نمط حياة للمجتمع مع ما يتضمنه ذلك من تحقيق لأهداف رؤية المملكة 2030 في جوانبها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة. اهتمام متزايد ولا يزال الكتاب ونشر الثقافة إلى يومنا هذا يلقى الاهتمام المتزايد رغم تراجع الإقبال عليه بعد توفر أجهزة التواصل الاجتماعي التي أخذت حيزاً كبيراً من أوقات الناس التي كانوا يصرفونها في قراءة الكتب واقتنائها في مكتباتهم المنزلية التي خلت منها بيوت اليوم الحديثة، وذلك بعد انتشار أجهزة التطبيقات الذكية والشبكة العنكبوتية التي ينشر من خلالها مئات الآلاف من الكتب والمعلومات التي تغني الكثيرين عن اقتناء الكتب، ومن الوسائل التي اتخذتها الدولة - أيدها الله - في نشر العلم والمعرفة ونشر ثقافة القراءة فقد جاءت فكرة إقامة معارض للكتب سنوياً في مختلف مناطق المملكة، وفي تطور سريع فقد تمت إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب، والذي كان يقام في شهر مارس من كل عام لمدة عشرة أيام في مركز المعارض بمدينة الرياض تحت إشراف وتنظيم وزارة الإعلام، وبعد انفصال الثقافة عن الإعلام في وزارة مستقلة فقد آلت إدارة المعرض إلى وزارة الثقافة، ويعد معرض الرياض أحد أكبر المهرجانات الثقافية في المملكة، وفي عام 1437ه أقيم المعرض برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبمشاركة مليون و200 ألف عنوان كتاب من دول عربية وأجنبية، ومن خلال أكثر من 500 دار نشر، إلى جانب الأجنحة الرسمية لعدد من القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المهتمة بالثقافة والكتاب. قديماً من يقتني الكتاب يختم في صفحاته الأولى لحفظه من الضياع مكتبات رقمية لتسهيل الحصول على الكتب المملكة تضم مكتبات تحوي الكثير من الكتب المهمة لا يزال الكتاب مطلب الكثير من الباحثين والمثقفين معارض الكتاب ساهمت بعودة اقتناء الكتب حمود الضويحي