في آواخر فبراير الماضي تقدّم البريد الفرنسي بطلب إنشاء بنك متكئاً على الخدمات المتنوعة التي يقدمها عبر سبعة عشر ألف مركز بريدي، وبأرصدة تجاوزت عشرة مليارات يورو، إلا أن هذه الخطوة لم تنل القبول لدى البعض خصوصا الأطراف المتوقع تضررها منه، ما دعا البنوك الفرنسية إلى التقدم بشكوى ضد إنشائه، ربما خوفاً من تكرار تجربة بنك البريد الياباني الذي يتباهى به اليابانيون كأكبر مؤسسة مالية في العالم بفضل منظومة الخدمات المالية المتاحة، ولبنك البريد الياباني قصة نجاح تستحق الرواية. في سبتمبر 2003م تقدّم رئيس وزراء اليابان حينها (جونيتشيرو كويزومي) بمقترح خصخصة المؤسسة المملوكة للحكومة، وتقسيم البريد الياباني إلى أربعة شركات منفصلة، الأولى: بنك، والثانية: شركة تأمين، والثالثة: شركة خدمات بريدية، والرابعة: شركة للتعامل مع التجزئة لصالح الخدمات البريدية، وكان له ما أراد بحلول العام 2005م، وبدأت عملية الخصخصة تتم تدريجيا حتى استوت على سوقها، بلغت ودائع بنك البريد الياباني في العام 2015م مئة وسبعة وسبعين تريليون يَنّ ياباني. قبل أيام شاهدت إعادة لقاء تلفزيوني تم في مارس الماضي مع معالي الدكتور محمد بن سعود التميمي -محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات- ومما شدني في حديث معاليه –وهو المسؤول عن تنظيم ورقابة قطاع البريد بقرار مجلس الوزراء قبل عامين تقريبا– أن حجم سوق البريد والطرود في المملكة خلال عام 2020م بلغ ستة مليارات ريال سعودي، تشمل ثمانٍ وثلاثين شركة تعمل في هذا القطاع من ضمنها المشغّل الوطني مؤسسة البريد السعودي (سُبل)، وإذا ما أخذنا في الاعتبار هذا الرقم المتوقع نموه خلال السنوات المقبلة مع حجم التحويلات الشخصية للأجانب المقيمين في المملكة خلال عام 2020م التي بلغت أكثر من مئة وتسعة وأربعين مليار ريال سعودي، يدفعني ذلك للتساؤل عن مدى إمكانية استغلال هذه الأرقام مع البنية التحتية التي تشمل أكثر من 400 مكتب بريدي تابع لمؤسسة البريد؛ لأجل وضع اللبنات الأساسية لمشروع وطني عملاق شبيه ببنك البريد الياباني، ولكن بصيغة سعودية تتناسب مع حجم سوق البريد والطرود، وكذلك المبالغ الكبيرة التي تخرج من المملكة، والتي ربما تأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا شك أن هذه الخطوات لو تمت أظن بأنها ستشكل مصدر دخل لا يستهان به خصوصا إذا تم إشراك بعض مؤسسات الدولة المعنيّة في دراسة جدوى هذا المشروع، وفق المعطيات الموجودة ونقاط القوة التي يمكن التسلّح بها كصندوق الاستثمارات العامة مثلا ، ومن يدري؟ ربما يأتي يوم ونشاهد فيه بنك البريد السعودي واقعا ملموسا يساهم في نمو الاقتصاد الوطني في مملكتنا العريقة بتاريخها، والفتية بقيادتها وشعبها.