يعد البريد في المملكة من أقدم القطاعات التي تأسس لها جهاز متخصص يعنى بخدماته حيث أنشئت مديرية الأعمال البريدية في عام 1354ه، وذلك لما تؤديه خدمات هذا القطاع من دور مهم في أي مجتمع، واعتبارها جزءًا محورياً في البنية الأساسية للاتصالات، وكانت خدمات هذا القطاع متواضعة نسبياً خلال الفترة الماضية التي سبقت صدور قرار مجلس الوزراء في عام 1423ه بتحويل تلك المديرية إلى مؤسسة عامة بهدف أن تعمل وفق أسس ربحية، من ثم شهدت تلك المؤسسة حركة تطوير تنظيمي وتشغيلي في قطاع البريد بالمملكة توجه التركيز فيها على تنويع الخدمات المقدمة للمستفيدين، والعمل على جعل الخدمة البريدية عنصراً داعماً للقطاعات الأخرى وبالذات فيما تشهده أجهزتها المتعددة من توسع في تطبيق الخدمات الاليكترونية. وتقدم مؤسسة البريد السعودي حالياً خدماتها من خلال ما يزيد على ستة آلاف نقطة بريدية تتوزع على المدن الرئيسية والمحافظات والمراكز في مناطق المملكة المختلفة، كما يسهم القطاع الخاص ولو بنسبة ضئيلة في تقديم الخدمات البريدية من خلال مكاتب البريد الخاصة، التي تهدف إلى نشر الخدمة بالمدن الرئيسية بالدرجة الأولى، كما تقوم شركات خاصة يتقديم خدمات البريد السريع ويبلغ حجم الخدمات البريدية من خلال تلك المنافذ نحو خمس مئة وسبعين مليون مادة بريدية سنوياً يشكل البريد الخارجي نسبة 48٪ من إجمالي الحركة البريدية في المملكة، ويصل عدد الموظفين القائمين على تقديم تلك الخدمات البريدية في المؤسسة العامة للبريد نحو أربعة عشر ألف موظف، نسبة السعودة بينهم كما ينسب لرئيس المؤسسة تبلغ 100٪. ما يواجهه قطاع البريد المحلي من تحديات تبرز في جانبين أساسيين هما: المنافسة، وبالذات غير النظامية منها، والتطور التقني في قطاع الاتصالات، فالخدمات التي تقوم بها الشركات الأجنبية التي تعمل في خدمات البريد السريع تعد منافساً قوياً لخدمات البريد الممتاز التي تقدمها مؤسسة البريد السعودي، والأشد من ذلك هي الشركات المحلية التي تعمل في قطاعات أخرى وبالذات النقل التي تقوم بتقديم خدمات بريدية هي من اختصاص مؤسسة البريد السعودي مثل بريد الرسائل والطرود البريدية مما يؤثر على حصة المؤسسة في السوق البريدية المحلية، أما التطور التقني فينعكس في انخفاض حجم البريد التقليدي وهو بريد الرسائل نتيجة التطور في خدمات الاتصالات الأخرى. ما يمثل أمراً جوهرياً في هذا السياق هو ما أبان عنه رئيس المؤسسة العامة للبريد من تقدير لحجم السوق البريدية في المملكة وأنها تبلغ نحو عشرين مليار ريال سنوياً، مقارنة بحجم السوق الفعلية التي لا تتجاوز حالياً سبعة مليارات ريال سنوياً يعزوه بالدرجة الأولى لوجود وسائل نقل غير مرخصة تمارس العمل في قطاع البريد المحلي، وهو ما يعني بالتالي خسارة سوق البريد السعودي لحوالي ثلاثة عشر مليار ريال سنوياً نتيجة لذلك. ولما تشير إليه التوقعات من نمو في الطلب على الخدمات البريدية بمعدل سنوي لا يقل عن 2.5٪ فإن قطاع البريد المحلي يعد سوقاً واعدة سواء عبر التخفيف من معاناة ما يزيد عن سبعة عشر مليون مراجع للدوائر الحكومية سنوياً كما يشير إلى ذلك رئيس مؤسسة البريد وذلك بتوسيع الخدمات البريدية لتشمل إنهاء متطلبات مصالح أولئك المراجعين في تلك الدوائر، مما يعد إسهاماً كذلك في التقليل من أزمة حركة النقل في المدن وبالذات الرئيسية منها نتيجه لذلك، وعدم اضطرار هؤلاء المراجعين لترك أعمالهم ومسئولياتهم من أجل إنهاء تلك المتطلبات، وكذلك في رفع كفاءة الدوائر الحكومية التي تتم مراجعتها في إنهاء تلك المتطلبات، أو في توفير فرص عمل جديدة للسعوديين من خلال نمو الخدمات في هذا القطاع الأساسي التي أسهمت التقنية في زيادة الحاجة إليه باعتباره الوسيلة الملائمة وربما الوحيدة لإيصال الوثائق والسلع والخدمات للناس المستفيدين، لا سيما في ظل التوجه نحو الحكومة الاليكترونية التي لا يمكن لها أن تعمل بمعزل عن قطاع البريد.