هذا رجلٌ لا أعرفه، غير أنه مفتون بالشعر العربي الأصيل وقد زين افتتانه ذلك بإلقائه الجميل والرائع الممتع فنبرة صوته تأتي موافقة منسجمة مع الوزن الشعري ومقاطعه.. وإذا كان كثير من الناس قد انصرف عن الشعر الأصيل ومالَ إلى الأشعار الأمية العامية ربما لقربها من فهمه واستيعابه لأنها لا تذهب إلى أعماق النفس والعقل فلا تحتاج إلى الإعمال والجهد الذهني، فهي أقرب إلى الوعي الشعبي العام.. غير أن غالبية هذا النوع من الشعر تشبه ما يطفح على سطح الماء الراكد أي أنه واضحٌ ظاهر.. ومن ثم فهو لا يشبع النفس التواقة إلى الغوص في الأعماق، إضافة إلى أنه لا يساعد على ذرابة اللسان وذلاقته والارتفاع بمستوى اللغة لكي تكون معبرة تعبيراً جزلاً عميقاً، فمن المعلوم أن الذين يمتلكون زمام اللغة يمتلكون القدرة على الإقناع والمحاججة.. فمن ذلك مثلاً ما ترويه كتب الأدب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمرو بن الأهتم والزبرقان.. حيث سأل عمراً عن الزبرقان فقال: إنه حام لجارة مطاعٌ في أدنيه. فقال الزبرقان: والله إنه ليعلم مني يا رسول الله أكثر من ذلك ولكنه حسدني. فقال عمرو: إنه لزمر المروءة لئيم الخال.. الخ. ثم تابع: وقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية، رضيت فقلت أحسن ما أعلم وغضبت فقلت أسوء ما أعلم. فقال عليه السلام: إن من الشعر لحكما وإن من البيان لسحرا.