الإنفاق الاستهلاكي القوة الدافعة والأكثر أهمية بين عناصر الطلب الكلي في الاقتصاد، وهو عبارة عن الإنفاق النهائي بأسعار المشترين، ويشمل الإنفاق الاستهلاكي النهائي الحكومي، والاستهلاكي النهائي الخاص، والتكوين الرأسمالي الإجمالي، وصافي الصادرات خلال فترة زمنية معينة. فكلما ارتفع الإنفاق الاستهلاكي كلما نما الناتج المحلي الإجمالي وانعكس إيجابا على أداء الأنشطة التجارية. ولكن عنصر الاستهلاك النهائي الخاص كما عرفته الهيئة العامة للإحصاء، أنه يشمل قيمة الاستهلاك النهائي للأسر المقيمة والهيئات الخاصة التي لا تهدف للربح وتخدم الأسر المعيشية، وهو من أهم هذه العناصر. وقد علمتنا النظرية الاقتصادية الكينزية أن على الحكومة واجب تحفيز الإنفاق عندما يتعرض الاقتصاد لركود أو لتباطؤ اقتصادي، بزيادة إنفاقها وخفض الضرائب من أجل تحفيز الأنشطة التجارية على جانب العرض، وكذلك على جانب الطلب من أجل زيادة الطلب وخلق فرص العمل. لكن ومهما كانت الضرائب منخفضة لن تعزز إنتاج المصانع وتقديم الخدمات دون وجود طلب مرتفع على سلعها وخدماتها، ما يجعلها تستغني عن عمالتها. وهذا سوف يضر بعائدات الحكومية الضريبية لأنها لن تجد من تفرض الضرائب عليه. فإن استمرار تراجع الإنفاق الاستهلاكي ولو كان طفيفا يضر بنمو الاقتصاد واستقرار الأسعار وقد يؤدي إلى انكماش اقتصادي. وهنا تبرز أهمية محددات الإنفاق الاستهلاكي: دخل الفرد أولا، ثم نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي يخبرنا عن تحسن مستوى معيشة الفرد، وتوزيع الدخل عندما يذهب معظم المكاسب إلى الأسر المنخفضة الدخل، ومستوى ديون الأسر المعيشية من بطاقات الائتمان والقروض الشخصية، ومدى ثقة المستهلك بمستقبل الاقتصاد. وأوضحت بيانات الهيئة العامة للإحصاء، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة ب 4.1 % لعام 2020م مقارنةً بالعام 2019، ويعود ذلك الى انخفاض نمو القطاع النفطي ب 6.7 %، ونمو لقطاع غير النفطي ب 2.3 %، بعد تراجع القطاع الخاص ب 3.1 %، والحكومي ب 0.5 %، وهذه الانخفاضات مرتبطة ومتزامنة بتراجع الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي ب 4.1 %، بما في ذلك تراجع نمو الإنفاق الاستهلاكي النهائي الخاص ب 6.4 % إلى 882 مليار ريال في 2020 مقارنة بنمو ب 4.5 % إلى 942 مليار ريال في 2019. لهذا انخفض متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ب 14 % الى 74،768 ريالا في 2020 عن العام 2019، مصحوبا بارتفاع معدل التضخم ب 3.4 % في الفترة نفسها. وقد عزت وزارة المالية ارتفاع التضخم في تقرير التضخم الربع الرابع من 2020 إلى استمرار الأثر الحسابي لرفع ضريبة القيمة المضافة من 5 % إلى 15 % بدءًا من النصف الثاني لعام 2020، وهو أحد الإجراءات التي اتخذتها المملكة لحماية الاقتصاد من آثار جائحة كورونا وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة. وتوقعت الوزارة أن يشهد التضخم ارتفاعا في الربع الأول من 2021 مقارنة بالربع الأول من 2020. فمن الواضح أن إنفاقنا اليومي على السلع والخدمات هو الذي يخلق الطلب ويحافظ على ربحية الشركات وتوظيف المزيد من الباحثين عن عمل وبأجور مرتفعة، مما يقلص معدل البطالة إلى معدلاتها الطبيعية. فإننا نتطلع إلى إنجلاء هذه الجائحة وعودة الاقتصاد إلى مساره الطبيعي في ظل سياسات مالية ونقدية داعمة للاستهلاك العائلي والنمو الاقتصادي.