في الحوار المهم الذي دار مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، كانت هناك إشارة إلى رغبة الدولة في أن تصبح جامعة الملك سعود في مصاف الجامعات القائدة في العالم. وكم كانت هذه الإشارة مثلجة للصدر ليس لكوني أحد المنتسبين لهذه الجامعة فحسب، بل لأننا جميعا ندرك الأهمية البالغة للجامعات في رفعة الأوطان على مختلف الصعد (اقتصادية، سياسية، اجتماعية، صحية وغيرها). وهي خطوة ستتبعها بلا شك جامعات عريقة أخرى في وطننا. إن جامعة الملك سعود تمر حاليا بتغيرات كبيرة نحو الاستقلالية والانضمام تحت جناح الهيئة الملكية للرياض. ولها العديد من المزايا، وأهما أنها جامعة بحثية شمولية، فإذا أشرت عشوائيا لأي كلية أو أي قسم ستجد فيها من عُرف بإسهاماته في تخصصه ولمجتمعه رجالا أو نساء. وفيها طاقات بشرية متنوعة من ذوي خبرة وتاريخ مشرف في خدمة الجامعة، وحديثو عهد مندفعون بحماس، وفيها معامل ومختبرات بإمكانات عالمية، وهي مندفعة في اتجاهات مختلفة نحو التطوير، وكل هذه المزايا ستسهم في تمهيد الطريق لتحقيق الريادة. ودعوني أتحدث عن نطاق اختصاصي واهتمامي وهو دور تخصصات العلوم الطبيعية في هذه الانطلاقة نحو القمة، مع التأكيد على أن جميع التخصصات في الجامعة قادرة على الإسهام في هذه الانطلاقة بلا شك. لو نظرت إلى الجامعات القيادية في العالم، ستجد أنها مميزة جدا في أبحاث العلوم الطبيعية، سواء في المجالات الأساسية (أي التي تقوم بدافع استكشافي معرفي) أو التطبيقية، وكلاهما مهم لهذه الرؤية الطموحة، فمكتشفات أبحاث العلوم الطبيعية قد تأتي بحلول لمشكلات ليست في النطاق الأكاديمي أو سوق العمل فحسب، بل قد تؤدي إلى حلول على مستوى البشرية عامة، وهنا أشير لمعلومة لا يعرفها الكثيرون، وهي أن التقنية التي يقوم عليها لقاح فايزر (وموديرنا) نشأت في الأصل على يد فيزيائي أميركي في الثمانينات الميلادية وفي نطاق البحث في العلوم الأساسية (التي تهدف للاستكشاف والمعرفة وليس التطبيق المباشر)، وكان ذلك في معمل بروكهافن الوطني في أميركا (وهو معمل تتركز فيه الأبحاث في مجال الفيزياء الأساسية كفيزياء الجسيمات والنووية والحيوية وغيرها). الجامعة المتمكنة في أبحاث العلوم الطبيعية، والتي تبذل أقصى جهدها لخلق فرص متكافئة للمشتغلين في هذه المجالات وبيئة قوية وتستقطب الكفاءات العالية، والمستعدة للمخاطرة والمغامرة (كونه ليس كل الأبحاث ستصل لاكتشافات تغير وجه العالم)، هي جامعة تسير في طريقها للريادة والقيادة. وهو طريق شاق ولكنه ليس صعبا على جامعة الملك سعود العريقة.