في قراءة سريعة لحديث مهندس القرارات الجريئة والرؤية الطموحة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تناقلته أغلب وسائل الإعلام العالمية عما حققته رؤية المملكة 2030 بعد مرور خمس سنوات منذ إطلاقها، فإن هذا اللقاء لا يعد حديثا وحدثا عابرا، بل استمع له العالم بكل فئاته، وخصوصا فئة الشباب والشعوب التي عصفت بها الثورات والفتن، متمنين لو يوفقوا بمثل ذلك الشاب الطموح الذي يحمل رؤية الحاضر للمستقبل الزاهر، والتي تعبّر عن طموحات تلامس عنان السماء. لقد كان لقاء سمو ولي العهد استثنائياً لقائد فذ وملهم، شمل بحديثه أهدافا واضحة، بشفافية عالية، تعبر عن عمل دؤوب لبناء مستقبل مشرق بأعلى مستوى. موضحا للجميع أن الحكومة ليست وحدها من صنعت هذا الإنجاز خلال تلك الفترة الوجيزة من إطلاق الرؤية، بل شارك في ذلك "شعب جبار" كما يقول سموه: أعيش بين "شعب جبار وعظيم"، وهمة السعوديين مثل "جبل طويق" ولن تنكسر، كاشفا عن طموح يعانق عنان السماء، مستعينا بالله ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظهما الله- متحديا كل الظروف والمعوقات والمثبطين بعزيمة جادة وإصرار. وبهذا يحق لنا أن نفخر كسعوديين ونتفاءل بمستقبل وطننا وأجيالنا في ظل هوية سعودية قوية للغاية، وهذا مايجعلنا نفخر في وطن معطاء تقوده قيادة حكيمة همها الأول بناء الإنسان. ومن خلال قراءتنا للقاء سمو ولي العهد، فنقتصر على أبرز ما جاء فيه: ثقة وتميز من أهم ماتحدث عنه سمو ولي العهد أن هويتنا السعودية قوية وتزداد قوة وتطورا بالانفتاح، وأن أصحاب الهوية الضعيفة هم من يقلقهم الانفتاح على العالم، ليشير في سياق حديثه عن التحديات الإقليمية إلى أن السعوديين قد يقلقون لكن لا يخافون، فالسعودي لا يخاف والخوف غير موجود في قاموسه. ومن أبرز ما تناول سموه الجوانب الشرعية في المملكة، مجددا التأكيد على أن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو القرآن الكريم، وأن النظام الأساسي للحكم ينص على أن دستور المملكه ومنهجها الدائم هو كتاب الله وهذا من الأسس والمرتكزات التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، وعقد سموه مقارنة بين الأحاديث المتواترة وغيرها، وقال: في قوانين المملكة فإنه لا عقوبة إلا بنص قرآني واضح أو في الحديث المتواتر، إنها كلمات موجهة للجميع وليس فقط الشعب السعودي، فكلماته تترجم أفعالا يعيها الجميع. إنجازات تحققت وخالفت التوقعات بنسب مرتفعة لقد ارتبطت كلماته بأفعال تحدث عنها بشفافية وصراحة عالية، كاشفا كل المعوقات التي كانت تقف أمام تحقيق الرؤية، وأنه تم تصحيح كثير منها في وقت قياسي، مخالفا بذلك آراء المحللين الذي كانوا يعدون ما كان يتحدث عنه مستحيلا في ظل ظروف عالمية قاهرة أولها "جائحة كورونا"، وثانيها الهجمة الشرسة التي يتعرض لها سموه ممن يغيظهم العمل الجاد لنماء الشعوب ويغيظهم بالمقام الأول نجاح السعودية وتطورها وبناءها الذي يرتكز على الإنسان أولا. لقد تحدث بكل ثقة وشموخ عن إنجازات تحققت وخالفت التوقعات بنسب مرتفعة، ولعل من أهم ما ذكره خلال المقابلة أيضا: أن برامج عدّة تم إطلاقها وتنفيذها هي من مهدت الطريق أمام بناء رؤية 2030، عقب إقرارها من مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين، ومن أبرزها، برنامج إعادة هيكلة الحكومة، ليتجه نحو المرونة وإعادة الهيكلة المستمرّة لتحقيق وخدمة الأولويات الوطنية. هموم وقضايا لقد تحدث سموه بكل وضوح ومصداقية عن هموم وقضايا تهم المواطن، وكيف تم إيجاد الحلول لها ومنها: تمكين المرأة والإسكان، والتوظيف والبطالة وغيرها. وقد أثارها سمو ولي العهد في اللقاء المتلفز، فتحدث عن وضع المرأة السعودية التي أصبحت تعيش فترة تمكين غير مسبوقة، فتم إعطاؤها مساحة أكبر - وفق ما يكفله لها الشرع الحنيف - لتصبح المسؤولة عن إدارة أمورها بنفسها، وتوفرت لها فرص وظيفية في المجالات التي تناسبها، لتصبح أكثر فاعلية ومساهمة في التنمية وخدمة وطنها. ولم يغفل سموه مشروع الإسكان الذي كان الشغل الشاغل لفئة كبيرة من الشعب، وشرح تفاصيل متصلة بالرؤية التي أطلقتها المملكة عام 2016، من بينها تطوير سياسات الإسكان، وكيف تم تيسيره من خلال تسهيل قروض الإسكان فأصبح الاستحقاق للإسكان فوريا، فانتهى ماكان يعانيه المواطن من انتظار يتجاوز نحو 15 عاما ليحصل على سكن. وأوضح أن تأسيس صندوق الاستثمارات لشركة "روشن" هدفه توفير مليون وحدة سكنية في المملكة، من أصل 4 ملايين وحدة سكنية مستهدفة، بجانب رفع نسبة تملك السعوديين للمساكن إلى نسبة 60 % بينما كانت قبل الرؤية 47 %. كما تحدث ولي العهد عن دعم ورفع مستوى توظيف السعوديين وأن البطالة كانت قبل الرؤية تبلغ 14 % ونستهدف خفضها ل 11 % العام الجاري، ثم مواصلة خفضها للمعدل الطبيعي ما بين 7 % إلى 4 %، وتحدث عن توفير فرص أكبر للعمل في القطاع الخاص في بيئة عمل جيدة تتوافق مع الممارسات العالمية في أكثر البلدان تطورا ونموا. مبينا أن المصلحة العامة للاقتصاد السعودي ليست فقط في زيادة توظيف السعوديين بل أيضا رفع مستوى الإنتاجية في القطاع الخاص من خلال استقطاب الكفاءات المؤهلة ذات القيمة المضافة. واعدا بتطوير سن التشريعات، وضمان رفع مساهمة القطاع الخاص في اقتصاد المملكة، مستعرضا أرقاما اقتصادية مؤثرة، أبرزها تصاعد مؤشر سوق الأسهم السعودية "تداول"، من مستويات 6 و7 آلاف نقطة إلى أكثر من 10 آلاف نقطة في الوقت الجاري. ولتطمين المجتمع السعودي فقد كبح الشائعات بنفيه وجود أي توجه لفرض ضرائب على الدخل في المملكة، وقال: اتخذنا إجراءات مؤلمة ومنها رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15 % وستكون مؤقتة من سنة إلى 5 سنوات كأقصى حد لتعود بين 5 % - 10% واعدا بمواصلة تحسين الخدمات التي تهم المواطن بالمقام الأول وهما التعليم والصحة. معتبرا أن التعليم في المملكة اليوم ليس سيئا، و"الرؤية تستهدف أن يكون لدينا 3 جامعات من أهم 200 جامعة في العالم" مبيناً أن مصادر التعليم أصبحت مفتوحة والتركيز سيكون في خطط التطوير على المهارات بإذن الله. وفي الشأن الصحي، قال سموه: إن برنامج التحول في القطاع الصحي سيحدث تغييرا كبيرا بمستوى الخدمات. وهذا دليل على مشاركة المواطن همومه وقضاياه يقول: من مصلحتي أن ينمو الوطن السعودي وأن يكون المواطن راضيا أمام منجزات البرامج الطموحة للرؤية في مختلف القطاعات. اقتصاد واستثمارات ونستشف من حديث سموه أن ماتحقق لم يأت بالسهل، فقد سبقه تحول كبير لجميع الجهات الحكومية التي تغلبت على الكثير من التحديات خلال الفترة الماضية، مُشيداً بالخبرات المكتسبة التي لا تقدّر بثمن، والتي عزّزت الثقة في تحقيق أهداف الرؤية، مؤكدًا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتوجب القيام به على مختلف الصعد، لاستمرار العمل على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 على النحو المأمول والمطلوب، معبرا عن تقديره للجهود المبذولة، وفي الوقت نفسه كشف عن أمر خطير وهو: أن 80 % من الوزراء في عام 2015 كانوا غير أكفّاء، وقال: لا أعينهم حتى في أصغر شركة. لقد كان حديث سموه بالأرقام والمقارنات لتشخيص حالتنا الحالية، وما قامت عليه رؤية المملكة 2030، وما نحن مقدمون عليه في مستهدفات للمستقبل. وعندما قال سموه: نريد تحقيق الفرص في أسرع وقت ممكن، ونقترب من تحقيق عدد من أهداف الرؤية قبل 2030، فهذا ليس تفاؤلا منه فقط، فقد كشف قدرة منجزات الرؤية واستطاعتها تنويع مصادر دخل المملكة من غير الثروة النفطية، وعن التوجه لإعداد رؤية ثانية لعام 2040 للدخول من خلالها لمرحلة منافسة عالمية بعد تحقيق أهداف رؤية 2030. كما كشف سموه للجميع عن مستهدفات صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) وزيادة أصوله لتصل إلى 10 تريليونات ريال في 2030، مؤكدا أن الصندوق سينفق في العام الجاري 160 مليار ريال داخل المملكة، كاشفا أن "أي شركة رابحة لدى صندوق الاستثمارات مصيرها الطرح في سوق الأسهم". وأن الصندوق يستهدف النمو ليصبح صندوقا ضخما، وبالتالي لن يحول أرباحه في الوقت الحالي إلى ميزانية الدولة، وسيستهدف زيادة نمو حجم الصندوق، بأكثر من 200 % في السنوات الخمس المقبلة، وفي المستقبل لن تتجاوز المصروفات من هذا الصندوق نسبة 2.5 %، وسيكون هو بمثابة نفط جديد للمملكة إلى مصادر دخل أخرى من التنوع في الاقتصاد، من مختلف استراتيجيات الاستثمار الأخرى للمملكة بما فيها النفط. وفي هذا السياق كشف أيضاً أن مشروعات صندوق الاستثمارات خارج السعودية تستهدف عائدا بأكثر من 10 % واصفا سياسة المملكة الخارجية بأنها قائمة على مصالح السعودية، وسمعة الصندوق ونفوذه جذبت له استثمارات، وعلى سبيل المثال شركة "أوبر" هي التي سعت لاستثمارات الصندوق الذي يختار استثماراته بعناية بموجب مصالح المملكة، بما لا يتعارض مع القوانين الدولية وقوانين الدول الأخرى. تغيير هدف صندوق الاستثمارات العامة في 2030 من 7.5 تريليونات ريال إلى 10 تريليونات ريال، وزف خبرا سعيدا للمواطن بأن أي شركة يؤسسها صندوق الاستثمارات العامة سيتم طرحها للاكتتاب فور نضوجها وسيتم إعادة ضح هذه الأموال لتمويل وتنشيط قطاعات أخرى. وتحدث سموه كيف أصبحت أرامكو مع الرؤية، حيث شكلت جزءاً من استراتيجية استثمارية كبرى وكشف عن الطموح في عام 2030 عبر أرامكو لتحويل 3 ملايين برميل من النفط إلى صناعات تحويلية، وأن هناك نقاشات مع إحدى الدول الضخمة لبيع 1 ٪ من أسهم أرامكو قريبًا. شؤون عالمية وما يخص الشؤون العالمية، فقد تحدث سموه عن مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، قائلا: إن الغطاء النباتي في السعودية ارتفع خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة 40 %، موضحا أن الاهتمام بالبيئة له أثر مباشر على السياحة واستقطاب رؤوس الأموال. وتحدث عن العلاقة مع أميركا، وأن الولاياتالمتحدة شريك مهم للمملكة، وهناك توافق سعودي مع إدارة بايدن بنسبة 90 %. واصفا إيران بأنها في الأخير دولة جارة، ونريد علاقة طبيعية معها، وأن يكون لها مصالح معنا، لكن إشكاليتنا مع إيران تتمثل بالتصرفات السلبية مثل برنامجها النووي أو دعم الميليشيات الخارجة على القانون، وبرنامج الصواريخ الباليستية، ونعمل مع شركائنا على التعامل مع هذه التحديات، كما تحدث عن الشأن اليمني، وأن أي دولة في العالم لا تقبل أن يكون هناك ميليشيات على حدودها، وأن السعودية لن تقبل بوجود ميليشيا خارجة على القانون على حدودها، مضيفا: نحن مستمرون في المبادرة لضمان استقرار المنطقة، والتي يؤمل أن تستجيب لها ميليشيا الحوثي الذي لم يزل له علاقة قوية بالنظام الإيراني، وعليه الرجوع لتغليب مصلحة اليمن، ويستجيب للشرعية في بلاده، والحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة عروبية، وقال: نتمنى أن يجلس الحوثي على طاولة المفاوضات مع جميع الأطراف اليمنية لحفظ حقوق الجميع وضمان مصالح دول المنطقة.