يمكن تعريف التنمية المتوازنة على أنها مفهوم يمكن حصره في عدة أهداف هي: رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية، كذلك دفع القطاع الخاص نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني، وزيادة حصته في الناتج المحلي، وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة، وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محليا، إضافة إلى زيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى العاملة، وتوفير الخدمات للمواطنين والمستثمرين، إلى جانب توجيه الانفاق العام وترشيده لتخفيف الأعباء عن كاهل الميزانية العامة للدولة. ولقد سارت المملكة على هَدْي تلك التوجهات التي تشكل أهم الأهداف الاستراتيجية لخطط التنمية في المملكة؛ وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين - يحفظهما الله - على أهمية هذا المفهوم والحرص على تطبيقه عمليًا لمشروعات التنمية الطموحة التي تجسدت في رؤية المملكة 2030 للنهوض بالبنى الأساسية والقطاعات الاقتصادية في مناطق المملكة لتبرز مدى اهتمام وجدية الدولة -رعاها الله- في السعي نحو تحقيق التوازن العادل لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إذن يمكن أن نتبين من خلال هذه التجربة السعودية الثريَّة التي دخلت في أطوار التنمية وتنفيذها، أن الدولة اتخذت منها أسلوبًا طموحًا للتقدم والوصول إلى تنمية متوازنة، وذلك من منظور تخطيطي متأنٍ، وصياغة خلفية واعية يُبنى عليها وينطلق منها ذلك التخطيط. وفي كل مجالات تلك التنمية كانت ثمة برامج تنموية في تلك الخطط الطموحة التي آلت الدولة على نفسها أن تأخذ فيها بزمام المبادرة لبناء الكيان الاقتصادي وتدعيمه وتأهيل العنصر البشري وتطويره ومن ثم إيجاد البنى والمعطيات والتجهيزات الأساسية المتكاملة والضرورية لذالك. والمملكة في هذه المرحلة من عمرها التنموي والذي يمكن تسميته بالمنعطف الاقتصادي تتجه صوب العديد من التغيُّرات التي جاءت بناء على الشعور العميق من الحنكة الواعية والقيادة الحكيمة وبعد النظر لخادم الحرمين وولي عهده الأمين بأن الوقت قد حان لإعادة هيكلة الاقتصاد، والتوجه نحو التخصيص، وفتح باب الاستثمار على مصراعيه، وتحميل القطاع الخاص مسؤولية أكبر من التنمية، وعمل ما يمكن لاجتذاب الاستثمارات السعودية، وبعضها أعلن كاتجاه بدأت تتضح معالمه مثل فتح تأشيرات السياحة، والسماح للأجانب بتملك العقار، والتفاوض مع شركات الغاز والبترول العالمية، وفتح مكاتب محلية لكبريات شركات الاستثمار والصناعة والتقنية. وموضوع الاستثمار يكتسب أهمية خاصة في الوقت الحاضر لتزامنه مع توجه المملكة جدّيًا نحو التفكير في تقليل الاعتماد على البترول كمصدر رئيس للدخل، والاتجاه نحو التخصيص الذي سيتم على صعيده نقل قطاعات خدماتية أساسية ومهمة مثل المياه والكهرباء والصحة والاتصالات والنقل والمواصلات والتعليم إلى ملكية القطاع الخاص، وإزاحة بعض الأعباء المالية والإدارية عن كاهل الدولة. وتكتسب قضية تخصيص بعض القطاعات وفتح فرص الاستثمار فيها أولوية مهمة في هذه المرحلة التنموية وبخاصة كون المملكة عضو في مجموعة العشرين وفي منظمة التجارة العالمية، ما يجعل قضايا التمويل ذات الأهمية الأساسية في نجاح برامج التنمية مثل الاستثمار والتخصيص ومشاركة القطاعات غير الحكومية مجالا للتفكير، ومحورًا للنقاش، وإعمال الفكر لاجتذاب رؤوس الأموال من أجل الاستثمار سواءً تلك المهاجرة إلى الخارج أم الوافدة من الخارج. *جامعة الملك سعود