نجاح الإدارة الاستراتيجيَّة السِّياسيَّة بقيادة خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليِّ عهدِهِ الأمير محمَّد بن سلمان؛ برفع قدرات الإدارة الاستراتيجيَّة في القطاع الحكومي؛ أهم إنجازات رؤية 2030 منذ إطلاقها عام 2016م. استقطبت حكومة خادم الحرمين الشَّريفين الكثير من القادة والمسؤولين التَّنفيذيِّين مِنَ القطاع الخاصِّ؛ بتعيينهم في مناصب قياديَّة في الدَّولة؛ لخلق وترسيخ أسلوبٍ وبيئةٍ مُستَدَامَةٍ تشارُكيَّةٍ بين القطاعين العامِّ والخاصِّ؛ حيث ينجحُ القادةُ القادِمُون من القطاع الخاصِّ فعليا في إرساءِ عقليَّة تتَّسِمُ بالمرُونة وتغيير الثَّقافةِ القائمةِ بشكلٍ إيجابيٍّ. وينظرُ إلى القطاع الخاص على أنَّه المكانُ المناسبُ للتَّطوُّر المهنيِّ، ولذلك كان الوجهة المفضَّلة لأصحاب المواهب الطَّموحين والحيويِّين. ما بعد الرُّؤية، تغيَّرت المعادلة بشكلٍ كبيرٍ، على المستوى التَّنفيذي على الأقلّ، فقد تطوَّر القطاعُ العامُّ بشكلٍ كبيرٍ وأصبح أكثر جاذبيَّةً من القطاع الخاصِّ. وباتت مؤسَّسات القطاع العامِّ تستقطبُ أصحابَ التَّفكير والممارسات الَّتي تتَّسِمُ بالمرونةِ والأداءِ السَّريع؛ ما يعني أن بعض المؤسَّسات الحكوميَّة أصبحت أكثر تطوُّرًا ومرونةً حتَّى من القطاع الخاصِّ. هذا التَّزاوج أدَّى لتغييرٍ شاملٍ في بيئة العمل في القطاع الحكوميِّ وخاصَّة على المستوى التَّنفيذيِّ الَّذي شَهِدَ مُعظمَ عمليَّاتِ الاستقطاب من القطاع الخاصِّ. ولا شك أن تحقيق أهداف الرُّؤية السّعوديَّة فَرَضَ حجمًا هائلاً من التَّكيُّفِ والتَّغيير، لمواجهة التَّحدِّيات المتعدِّدة المختلفة تمامًا في طبيعتها ونطاقها عمَّا اعتاد عليه القادةُ والمسؤولونَ التَّنفيذيُّون في القطاع الخاصِّ. دعمُ الملكِ سلمان بن عبدالعزيز وخبرتُهُ الحكوميَّة الطويلة في العاصمة، وعُمْرُ وليِّ العهدِ والبالغ 30 عامًا عندما وضع برنامج رؤية 2030، وحماسه وجرأته؛ كان له أثرٌ كبيرٌ في استقطاب وجذب جيلٍ جديدٍ من الشَّباب للسَّعي إلى مناصب حكوميَّة. عقدُ الورش في بداية تنفيذ الرُّؤية، كان له أثرٌ مباشرٌ. تلك الورش تحوَّلت إلى خليَّة نحل تجمع جميع المستويات الحكوميَّة بإشرافٍ وتواصلٍ مباشرٍ من الملك سلمان بن عبدالعزيز وحضورٍ مستمرٍّ من وليِّ العهد محمَّد بن سلمان. تولَّت الحكومة عمليَّة تحوُّلٍ سريعة غير مسبوقة، ما يتطلَّبُ مستوى عالٍ من قبول المخاطر، كما يتطلَّب مرونةً في تنفيذ الرُّؤية، ويقوم على مبدأ التَّعلُّم بالمُمارسةِ. استراتيجيَّة التَّغيير تتطلَّب تفكيرًا ومهاراتٍ تركِّزُ على الأهدافِ للرُّؤية الاستراتيجيَّة ونموذجًا يطبَّق على نطاق أوسع؛ فالنَّجاح يصنع النَّجاح. غالبًا تقعُ معظمُ المؤسَّسات الحكوميَّة ضحيَّةً لأهدافٍ وخططٍ غيرِ واضحة، تؤدِّي في مُجْمَلِهَا لنتيجةٍ حتميَّةٍ واحدةٍ وهي: الفشل في تحقيق الأهداف. إنجاز برامج التَّحوُّلِ الوطنيِّ يتطلَّبُ قيادةً وطنيَّةً قادرةً على تحمُّل العبءِ والتَّغيير، في القطاع العامِّ؛ حيثُ المخاطرُ كبيرةٌ والأثرُ كبيرٌ على نطاقٍ وطنيٍّ. الدَّافِعُ الأساسُ لانتقال الغالبيَّة العُظمى من قادة القطاع الخاصِّ إلى القطاع العامِّ هو رؤية 2030 الَّتي كانت فرصةً سانحةً للإسهامِ بدورٍ فاعلٍ في التَّحوُّلِ والتَّأثيرِ على المملكة والمنطقة ككلٍّ؛ فهُم يريدونَ المشاركة في رحلةٍ من شأنِهَا أن تَخُطَّ علامةً فارِقَةً في التَّاريخ وأن يكونوا جزءًا من الفريق الَّذي يبني مستقبلاً أفضلَ للأجيالِ المقبلةِ. وأيضًا هناك شعورُ الوالدَينِ والأهلِ والأقاربِ بالفخرِ عندما يتولَّى أحدُ الأبناءِ دورًا بارزًا في الحكومة، فضلًا عمَّا يقدِّمُهُ من فرصٍ واعِدَةٍ بالتَّعلُّمِ والتَّطوُّر. وذلك حسب بحثٍ قامت به مؤسَّسة (مسك الخيريَّة) ومركز القيادة الإبداعيَّة. وعلى الرغم من أنَّ الانضمام إلى الحكومة لم يعد يعني الاستقرار والعمل لساعات قصيرة؛ حيثُ فرضت الرُّؤية العملَ لساعاتٍ طويلةٍ بشكلٍ مستمرٍّ، ومن خلال ذلك تجلَّت تحدِّيات متعدِّدة أمام القائد والتَّنفيذيِّ أهمُّها ما يلي: أوَّلًا: مستويات عالية من البيروقراطيَّة وتعقيدات القوانين والسِّياسات والإجراءات الحكوميَّة. ثانيًا: منظومة شديدة التَّعقيد من العمل مع أصحاب المصالح المختلفة من داخل المؤسَّسة ومن خارجها؛ فكلُّ مجموعة من المجموعات -أصحاب المصالح- تملك رؤية مختلفةً وقد تكونُ متضارِبَةً حيال موضوعٍ محدَّدٍ. ثالثًا: الاختلاف الشَّديد بين ثقافة العمل في القطاع الخاصِّ والعامِّ؛ فثقافةُ الحذر والحيطة متجذِّرةٌ في القطاع الحكوميِّ تحت مبدأ: الَّذي لا يقرِّرُ لا يرتكبُ خطأً؛ أصبحت جزءًا من الماضي، اعمَل تعلَّم حسِّن واعمل. رابعًا: المقاومة الطَّبيعيَّة ضدَّ أيِّ تغييرٍ وخاصَّةً من قُدامى موظَّفِي الحكومة تشكِّلُ تحدِّيًا خاصًّا لأنَّ وجودهم مهمٌّ جدًّا خاصَّة الأفرادُ الَّذين يشغَلُون مناصِبَ قياديَّة؛ ففي ظلِّ غياب البيانات المنهجيَّة وإدارة المعرفة، يعدُّ هؤلاءِ مصدرًا لا غنى عنه للخبرة والعلاقات الَّتي يعتمد عليها الإنجاز. تبدأ رحلة إدارة التَّغيير بتحديد تصوُّر ورؤية للمستقبل بعد التَّغيير، لتمكين تحديد مسار التَّغيير وطريقة الوصول إليه، يدار التَّغيير بضرورة العمل على دعم أصحاب المصلحة لتقبُّل التَّغيير من خلال إيضاح الأسباب الكامنة من وراء التَّغيير. خامسًا: التَّواصُلُ الشَّخصيُّ الفَعَّالُ المستمرُّ ومعرفةُ أنَّ أيَّ رأيٍ تُصرِّح به هو رأيُ منظومةٍ وليسَ لكَ رأيٌ شخصيٌّ. النَّتائج كما نشاهدُهَا اليوم تغييرات ملموسة في الثقافة التَّنظيميَّة وأسلوب العمل في القطاع الحكوميِّ؛ قاد إلى أن تحصل المملكة على المركز الأول عربيًّا في السَّعادة ، وتأتي في المركز 21 عالميًّا؛ حسب مؤشِّر السَّعادة عن عام 2021 م، ونتائج لبرنامج جودة الحياة استحقَّت المملكة المراكزَ الأولى، تلتها الصِّين في الدُّول ال28 كواحدةٍ من أكثرِ الحكوماتِ ثقةً في العالم؛ وفقًا لنتائج مؤشِّر إيدلمان للثِّقة 2021 م. * أستاذ زائر في جامعة أريزونا. مستشار لوحدة البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت.