كل عام وأنتم بخير، من منا لا يحب هذا الشهر المميز والذي نغتسل فيه من كل ما مر بنا في السنة الماضية، فيه تجديد للروح، وراحة للعقل والبدن، هو شهر الغفران والبر، وشهر نزول القرآن، شهر تتضاعف فيه الأجور على كل الأعمال التي نقدمها في رمضان، يأتي شهر الصوم ليغيرنا وينقينا وقد يمسح على قلوب البعض ممن فقد أحبة له وفارقهم بكل وجع وألم وحنين، فرحيل أب أو أم أو أخ وأخت رحيل أبدي وهو من أكثر المسائل التي يصعب التعامل معها مشاعرياً وروحياً، وأحياناً عقلياً، فمواجهة الموت صعبة، ولكنه يكاد يكون الحقيقة المؤكدة لدى جميع البشر بمختلف أعرافهم وثقافاتهم، فرحيل إنسان عزيز عليك يغيرك بشكل جذري ولا تعود كما أنت، وخلال الفترة الماضية علا صوت الموت بعد أن حصد وباء كوفيد- 19 مئات الألوف من الأرواح حول العالم، وهذا الحزن الكوني هو ما يجعل فئة من العلماء يحلمون بفكرة التحكم بالحياة واستمرارها من دون المرور بالموت، وهناك أبحاث وبعض الدراسات المستقبلية التي تفتح الذهن لتصور عوالم جديدة خلاقة من وجهة نظرهم، ترسم مشاهد وسيناريوهات عن مستقبلنا، حيث رواية الكاتب البريطاني إيان ماكدونالد Ian McDonald والمعنونة ب"مقهى المحطة الأخيرة " والتي صدرت عام 1994، حيث يكتنف العمق هذه الرواية على الرغم من أنها تتحدث عن المستقبل، فتدور أحداثها حول استخدام تكنولوجيا النانو في إعادة الحياة الأبدية للأموات، وهذا يقود إلى تساؤل آخر، وهو: هل يعد هؤلاء العائدون بشراً حقاً؟ وهنا كان المؤلف يتساءل: هل ستفلح التكنولوجيا في إعادة الحياة للأموات؟ هذه الرواية من روايات الخيال العلمي المختص بالتكنولوجيا، ولكن نحن كمسلمين نحمل رؤية مختلفة عن فكرة الموت والخلود، فالموت هو الممر من الدنيا إلى الآخرة، فمن دون وجود الموت لا وجود للحياة، والحياة لدينا نحن المسلمين حياتان حياة الدنيا وحياة الآخرة، فالموت والحياة هما الرحمة لنا، وهما مفتاح التأمل والتفكر، وهما من المسلمات واليقينيات التي نعيش ونتعايش معها، ولكن بالنسبة للعلم والعلماء مازال أمامهم الكثير ليكتشفوه عن الموت وماهيته، وتلك الروح التي تغادر دون رجعة، قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) سورة الإسراء.