تجلس على كرسيها في فناء منزل أخيها، عجوز في السبعين من عمرها، قد اشتعل رأسها شيبًا، وبدا ظهرها محدودبًا بفعل السنين العجاف التي عاشتها، وخط الزمان المر خطوطه الواضحة في وجهها الحزين. تجلس وحدها ساعاتٍ طوالًا، تحدق إلى الأفق البعيد. من يشاهدها يظنها تنظر إلى شيءٍ محددٍ، ولكنها تنظر إلى الفراغ فحسب. تظل معظم نهارها جالسة، تتنقل بين أرجاء المنزل. تارةً في غرفتها، وتارةً أمام التلفاز في صالة المنزل مع أحفاد أخيها الصغار. لا تزال تحب رؤية الأطفال وتربيتهم كما كانت في زمن شبابها، وإن باتت غير قادرة على ملاعبتهم مثلما كانت تفعل في الماضي. اليوم يوم الخميس، لم تستطع الخروج من غرفتها، فقد كانت تشعر بالوهن الشديد. تناولت فطورها بصمتٍ في غرفتها. ظلت فيها طوال اليوم، وبعد المغرب سمعوا حركةً في غرفتها. ركض الجميع صوب الغرفة، طرقوا الباب مرارًا، وبعد قليلٍ من الانتظار فتحت لهم الباب. وحين رأوا دولاب ملابسها وقد أفرغته تقريبًا من محتوياته، أصيبوا بالذهول، ولكن صدمتهم كانت أكبر حين رأوها ترتدي فستانها المخملي ذا اللون الوردي، وفي كامل أناقتها وهي تختبئ خلف الباب. تساءل الجميع عمّا يحصل؟! وما الذي دهاها لتفعل ذلك؟! اقتربت منها زوجة أخيها وسألتها بلطف: "ماذا بك يا أمل؟! لماذا ترتدين هذه الملابس؟!" قالت: أنتم ماذا بكم؟! هل نسيتم الموعد؟! الليلة سيأتي خالد لخطبتي. هنا التفت كل من في الغرفة بعضهم نحو بعض. امتلأت أعينهم بالدموع، وبعضهم عاد بذاكرته إلى ما قبل ثلاثين عامًا، حينما أتى خالد لخطبتها، لكنه لم يعد ليتم الزواج بسبب ظروفه كما قال لهم وقتها. غادر الجميع الغرفة والحزن قد ملأ المكان. تركوا أمل لتكمل حلمها الذي ظلت تنتظر عودته منذ ثلاثين عامًا، وفي الصباح وجدوا الفستان المخملي الوردي على السرير، لكنهم لم يجدوا أمل في الغرفة. ذهبوا للبحث عنها في أنحاء المنزل، وحين دخلوا مجلس الرجال سقطت زوجة أخيها مغشيًا عليها، لقد وجدوا أمل ميتةً في المكان نفسه الذي جلست فيه ليلة قدوم خالد ليخطبها.