تُعرف الرواية الجديدة بأنها وعيٌّ بأزمة الإنسان المعاصر، وما يعتريه من السرعة والاندفاع، والتشكّل السريع مع الأحداث، والقضايا التي يعيشها؛ ولذا كانت الرواية الجديدة شكلا من أشكال التعبير عن هذه الأزمة التي تهيمن على الإنسان المعاصر اليوم، وتجعل إبداعه موافقًا لهذه الأزمة. ولأن الرواية الجديدة لم تستطع - رغم سعيها - التخلص من هيمنة البناء الروائي، كالتخلص من الزمن والشخصيات والمكان، سعت إلى تجديد حضورها في الخطاب الروائي؛ بناء على هدف الرواية الجديدة؛ لذا كان تكسير الزمن شكلا من أشكال ثباته، وتبدّل المكان شكلا من أشكال حضوره، وتشظي الشخصيات شكلا من أشكال وجودها، وبين هذا الثبات والحضور والوجود يكون الهروب من التقليد في بناء الخطاب الروائي، والقرب إلى التجديد. وحين الوقوف على العنوان في الرواية السعودية الجديدة بوصفه عتبة من عتبات خطابها، لا يظهر الجنوح إلى «الفذلكة» اللغوية، أو الانزياح الكبير نحو استخدام التراكيب الشعريّة، أو السمات البنائية للعنوان في الرواية الجديدة؛ فتظهر عناوين في الرواية الجديدة على هيئة اسم الشخصية المحورية في الرواية مثل (صوفيا) لمحمد علوان، الرواية التي تقوم على تكسير نمطية النظرة إلى الجسد في الخطاب الروائي، والابتعاد بحضور الجسد في الرواية من كونه عنصر تشويق إلى أن يكون محفِّزًا سرديًا يدفع الأحداث، والشخصيات نحو النمو والاكتمال؛ ولذا كان التجريد في حضور عنوان الرواية الصريح شكلا من أشكال التجديد؛ لأن الأزمة التي يعانيها معتز بطل رواية صوفيا، لا يناسبها التخفي، أو إظهار المشاعر بطريقة مخفية، بل كان التصريح بحضور الحب، وحضور التقبّل لصوفيا الفتاة التي تختلف عنه في الدين، والمحيط، لأجل الروح الملائكيّة التي يراها معتز في صوفيا. وتقف كثير من الروايات الجديدة لتجعل عنوان الرواية مباشرًا صريحًا، حتى وإن لم يحمل اسم الشخصية، مثل رواية (في ديسمبر تنتهي كل الأحلام) لأثير النشمي، التي تقوم على فكرة الزمن الضد، والزمن المناهض للحياة التي هرب هذام العاصم من الحياة في وطنه إلى الحياة في الغربة، ولكنه لم يستطع الهروب من ديسمبر الشهر الأخير في السنة الميلادية الذي يلاحقه بنهاية كل شيء جميل يتحقق له في العام، ويستمر ديسمبر في كونه شهر خيبة لهذام؛ لذا يدرك بعد عشرين عامًا أنه أسير في غربته؛ لأن الزمن لم يتغيّر، ولن يتغيّر ففي كل العالم ديسمبر هو الشهر الثاني عشر من السنة الميلادية. وهذا التصريح بنهاية الأحلام في شهر ديسمبر هو بناء جديد في عتبة الرواية الجديدة؛ لأنها كما يقول بوتور: رواية تتحدث عن الحياة اليوميّة، ولكن بأسلوب لا يشعرك بيومية الأحداث، فكان العنوان أحد هذه اليوميات التي ربما يشعر القارئ المتلقي أنه يعرف ما سيحدث من قراءة أول صفحة في الرواية، ولكنه لا يعرف كيف أصبح الوضوح سؤالا، ولا كيف أصبحت المباشرة إبداعًا. وهذا ما يجعل الحديث عن عناوين الرواية الجديدة لا يقف عند النظرة التي تقوم على تفسير الجديد بالشعرية، أو شعرنة العناوين، الذي هو بارز في الرواية السعودية التقليدية والحديثة، فعنوان رواية (غيوم الخريف) لإبراهيم الناصر، أو رواية (دفء الليالي الشاتية) لعبدالله العريني لا يجعل الروايتين جديدتين، رغم ما في العنوان من الشعرية، والانزياح اللغوي اللطيف؛ لأن بناء الرواية الجديدة تجاوز شعريّة العنوان لأجل إظهار الإبداع للكاتب، إلى موافقة العنوان لخطاب الرواية، وليس فكرتها. ومن هنا كان الخطاب الروائي مُشكلا في طريقة بنائه، وتعاطيه مع الحياة العامة؛ بتنوّع مرجعيّاته، وتعدد رؤاه، فقد يكون خطاب الرواية ثقافيًا مبنيًا على النسق، ولكن مرجعيته ليست اجتماعيّة؛ فالتباين بين الخطاب والمرجعيّة يجعل الرواية تتجه نحو الوضوح في عناوينها؛ لأن خطابها يتطلب هذا، وليس لأن الرواية - بوصفها إبداعًا - تتطلب بناء لغويًا عاليًا. سلطان بن محمد الخرعان