تنطلق الرواية الجديدة من مبدأ أسسه عددٌ من النّقاد الغربيين، وأهمهم ميشال بوتور في كتابه (بحوث في الرواية الجديدة)؛ إذ ينصَ على أن الرواية الجديدة هي وعي بأزمة الإنسان المعاصر، وأخذ القالب الاجتماعي للأحداث اليوميّة، ثم صياغتها بوعي بطريقة جديدة، لذا كانت يوميات بلزاك متميّزة لأنه يتجاوز التسجيل إلى خطاب الوعي. ومن منطلقات الرواية الجديدة فضلا عن كونها وعيًا بأزمة الإنسان، وجودًا، وهُويّة، وانتماء أن تتحدث عن أزمة الأفكار والتحوّلات، وهو ما يجعل الأحداث اليوميّة تتجاوز التسجيل إلى أن تكون ثمرة خطاب أيديولوجي يخترمه صراع الأنسنة، والتشظي. وعانت الرواية السعوديّة الجديدة –كغيرها من الروايات- مخاضَ ولادة هذا النمط؛ بفعل التراكم الفني عبر تاريخ الرواية السعوديّة؛ فكانت ولادة هذا النمط عسيرة في تقبّل التحول المباشر، أو في فهم أزمة الإنسان، ولا أعني هنا الإنسان بحدوده الجغرافيّة، بل الإنسان بحدوده المعرفيّة التي كفلها له الوجود، والتعايش. فيلفت الانتباه أن أغلب الروايات السعودية الجديدة تعيش في صراع القالب، وفي طريقة البحث عن الجديد، فمرّة تكون من خلال تشظي الأحداث، والشخصيات، والزمان، والمكان كما في رواية رجاء عالم (4 صفر)، ومرّة في بحث عن مرجعيّة جديدة لبناء الحدث، مرجعيّة تتجاوز المعروف من المرجعيات الاجتماعية، والثقافية، والأيديولوجية إلى مرجعيّة فنتازيّة من خلال توظيف الخيال العلمي كما في رواية (المتحولون) لنورة الشمسان، ومرّة في بناء مرجعيّ مختلف لأحداث يجمعها خطاب واحد، كما في رواية (جاهلية) لليلى الجهني. وإذا تجاوزنا البحث عن أساسيات البناء الجديد في هذه الروايات إلى البحث عن سبب التجديد فلا نجد أمامنا إلا الإنسان بكل صفاته المعاصرة القائمة على الشك، والصراع، والسرعة، والاندفاع في تبني المواقف، والأفكار؛ وهذا ما جعل اتجاهًا آخر في الرواية السعودية الجديدة ينطلق من أزمة الجسد ليس بوصفه تيمة جذب للمتلقي كما في الرواية السعودية الحديثة، بل بصفة الجسد فكرة وعي بالوجود، والحاجات النفسيّة التي يحاول الإنسان المعاصر الاتزان من خلالها كما في رواية (صوفيا) لمحمد حسن علوان، أو يكون اتجاه البحث عن فكرة الإنسان من خلال تاريخ الأفكار والتحوّلات التي عاشها الإنسان منذ نشأته، بطريقة نمو الأفكار حتى بعد موت أصحابها، كما في رواية (مسرى الغرانيق في مدن العقيق) لأميمة الخميس. وهذه التحولات في البحث عن تشكّل الإنسان -وإن كانت عناصر في بناء النص الروائي للرواية السعودية الجديدة- هي في الوقت ذاته خطابٌ مؤسِّسٌ للهُوية والانتماء، من خلال أزمة الاندماج والتعايش التي تتكثّف في ثنائية المرأة والرجل، أو المرأة والمجتمع، كما في رواية (الرياض نوفمبر 90) لسعد الدوسري التي تتجاوز مرحلة تسجيل أحداث شهر في عام 1990م إلى الحديث عن أزمة اندماج المرأة بصفتها إنسانًا في المجتمع الذكوري من خلال المستشفى، أو رواية (هند والعسكر) لبدرية البشر التي تؤسّس خطاب الهُوية من خلال محاولة تشكيل البطلة لمشاعرها الوجودية المتمثلة في الحب، وصراع هذه الرغبة مع الخطاب الاجتماعيّ المتمثل في العادات والتقاليد. وتستمر أزمة القالب الجديد في الرواية السعودية فتتجه إلى الأسطورة، وتوظيفها في سبيل الدلالة على التحوّل في الخطاب الاجتماعي، وتضاده وربما تناقضه كما في رواية(قنص) لعوّاض العصيمي، التي تجاوزت حدود أسطرت المكان والزمان إلى أسطرت تحوّل الشخصيات، ورغم أن قالب الأسطورة في بناء النص الروائي الجديد ليس جديدًا في ظاهره إلا أنّ تبنيه للخطاب الاجتماعيّ جعله حيّا وجاذبًا. إن الراصد لحركة تغيير بناء النص الروائي السعودي يجد أن الرواية في السعوديّة ما برحت مشكلة في تعاطيها مع شيئين: الخطاب الاجتماعي المتمثل في العادات والتقاليد القائمة على التنوّع والاختلاف والتحوّل، وأزمة بناء الحكاية المتمثلة في الحدث ومرجعياته، وهذان من دوافع بناء الرواية الجديدة التي جعلتها تخوض غمار البحث عن نفسها في أزمة الخطاب والبناء، فتهرب من فتنة التقليد إلى أزمة التجديد. ** **