عند الحديث عن تاريخ الاقتصاد الوطني، والقفزات التي حققها على أرض الواقع، لا يمكن نسيان ما قام به القطاع الخاص من مشاريع عملاقة ونشاط استثنائي، أسس لدولة حديثة ومتطورة، ونجح في بناء اقتصاد نموذجي، كان ومازال الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. الاعتماد الذي أظهرته حكومات المملكة المتعاقبة على القطاع الخاص قبل عشرات السنين، جعل شركاته بمثابة الذراع التنفيذية لمشاريع الدولة ومناقصاتها الحكومية، وهذا المشهد أوجد طفرات اقتصادية متعاقبة في العديد من المجالات، ليس أولها الصحة والتعليم، وليس آخرها النفط والصناعات. وعندما يرعى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إطلاق برنامج "شريك" الذي يستهدف تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، فهو هنا يجدد الثقة في القطاع الخاص، ويؤمن بقدراته على مواصلة مشوار التطور والازدهار الذي بدأه، في مسعى حقيقي للاستفادة من خبرات القطاع، وهو ما يعكس إيمان ولي العهد بأن القطاع الخاص السعودي هو الأنسب للقيام بمشاريع رؤية 2030، من منطلق وطني بحت، يرى أن المستثمرين السعوديين هم أفضل من يُعتمد عليهم خلال المرحلة المقبلة، فلا يبني الوطن سوى سواعد أبنائه. لا أبالغ إذا أكدت أن "شريك" هو ترجمةً عملية تعمل على تعزيز وازدهار وتطور اقتصاد المملكة، وربما لهذا السبب كانت حكومة خادم الحرمين الشريفين سباقة لدعم القطاع الخاص والعاملين فيه، في ظل جائحة كورونا، وخصصت المليارات في صورة مبادرات لدعم شركات القطاع، حتى يكون اليوم على أهبة الاستعداد لما يُطلب منه. تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص السعودي بآليات جديدة ورؤية مغايرة، بمثابة خطوة تنم عن ذكاء حاد، وقراءة صحيحة للمشهد الاقتصادي في المملكة، فالحكومات الناجحة هي التي تُمكن القطاع الخاص، وتُسهل أعماله، وتوفر له الأرضية الصلبة والتشريعات القوية التي تساعده على النمو والتقدم والمساهمة في إحداث الأثر الاقتصادي المطلوب، وهو ما تعمل عليه المملكة بتوجيهات سديدة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد من خلال إطلاق "شريك". ولا ننسى أن البرنامج يوفر فرصًا هائلة للشركات الكبرى للتقدم بسرعة نحو المستقبل بطريقة تتصف بالمرونة، كما أنه يمنح القطاع الخاص حوافز قوية وطويلة الأمد، وعلينا أن نتخيل المشهد الذي سيكون عليه الاقتصاد الوطني، عندما ينتعش القطاع الخاص، ويتولى تنفيذ المشاريع العملاقة، وهو ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني. توقعاتي بأن برنامج "شريك" بحسب وصف سمو ولي العهد له، سيكون قادراً وخلال فترة وجيزة جداً على بناء قطاع خاص سعودي قوي، لديه شخصيته المميزة وسماته الفريدة، التي تجعل منه شريكاً حقيقياً، قادراً على ضخ استثمارات محلية تصل إلى 5 تريليونات ريال بنهاية 2030. أؤمن أن القطاع الخاص اليوم أمام فرصة من ذهب، للقيام بما سيُطلب منه لتنفيذ متطلبات رؤية 2030، مع الوضع في الاعتبار أن مشاريع ما قبل رؤية 2030، تختلف شكلاً وموضوعاً مع مشاريع ما بعد الرؤية، ما يتطلب من أرباب شركات القطاع التسلح بالادوات اللازمة، والخبرات المطلوبة لتنفيذ المهام بأفضل صورة وأحسن أداء، وليس عندي شك في أن القطاع الخاص يدرك هذا ويستعد لإثبات نفسه مجدداً.