قدَّمت الروائية رشا سمير العديد من الأعمال الإبداعية في مجال الرواية والقصة، ست مجموعات قصص قصيرة وأربع روايات، ناقشت عبرها العديد من الموضوعات الشائكة منها وضع المصريين في الخارج في روايتها الأولى (بنات في حكايات) ومعنى الاغتراب في الأوطان وداخل النفوس في روايتها الأخيرة (للقلب مرسى أخير)، كما غاصت بجدارة في قلب التاريخ لتقدم روايات تتناول حقبا تاريخية مختلفة ولقطات سياسية وإنسانية متفردة كما في رواية (سألقاك هناك) و(جواري العشق).. قدمت الأدب الساخر بطرحها لسؤال مهم (يعني إيه راجل؟) لتقدم الأدب الساخر بشكل مختلف. إلى جانب الإبداع والأدب فهي تمارس أيضا الكتابة الصحفية وتقف اليوم على أرض صلبة وسط الأدباء العرب كروائية مصرية اعتلت قوائم الأكثر مبيعا وكتب عنها كبار النقاد.. مؤخرا أطلقت «سمير» مبادرة «كاتبان وكتاب» وهي المعنية بإلقاء الضوء على أهم وأبرز كتّاب العالم العربي عبر حوارات مصورة تذيعها عبر شبكة الإنترنت على صفحتها الرسمية.. وكان لنا معها الحوار الآتي: جائحة كورونا كانت درساً لمحو أميّة الكثيرين * صدرت آخر أعمالك (للقلب مرسى أخير) في مطلع العام 2020 وأول أعمالك القصصية (حواديت عرافة) صدرت العام 1995.. كيف تقرئين التجربة آنذاك واليوم؟ * الفارق هو تلك المسافة الإبداعية وليس المسافة الزمنية، و26 عاما من الإبداع الأدبي ما بين كتابة الرواية والقصة القصيرة والكتابة الصحفية وإدارة الندوات الثقافية.. تلك المسافة علمتني الإجادة وأحدثت اختلافا في لغتي السردية ومفرداتي وهذا له علاقة وثيقة بقراءاتي المتعددة ودخولي عالم النقد الأدبي وليس فقط الكتابة.. مشوار أنا راضية عنه وأشكر الله سبحانه وتعالى كل دقيقة على هذا النجاح الذي منحني إياه. * ذكرت مرارا أن العمل الأدبي يستغرق منك ثلاث سنوات في الكتابة؟ أليس هذا زمنا طويلا يباعد المسافة بينك وبين القارئ؟ * على العكس، إنها مسافة تجعل القارئ في شوق لجديدي وعلى ثقة أن رشا سمير تتروى لتقدم له الأفضل، لا أؤمن بفكرة الكتابة لمجرد إصدار كتاب جديد، الكاتب يجب أن يكتب فقط لو لديه شيئا مختلفا ليقدمه، ورواياتي تستغرق مدة في البحث وجمع المعلومات لأنني قطعت عهدا على نفسي أن أسلك طريقا يحقق القيمة ولا أبحث فيه عن العائد المادي.. يقيني أن التميز هدف صعب ويحتاج إلى نفس طويل، لكن دون شك الأدب الجيد يبقى.. وبقاؤه هو العنوان الأكيد للنجاح. * حققت أعمالك النجاح الجماهيري والنقدي معا وتربعت على قوائم الأكثر مبيعا، أي أعمالك هي الأقرب لقلبك؟ * سؤال صعب، لأن كل سطر كتبته ارتبط بنفسي وقناعاتي ومشاعري وقت الكتابة. أستطيع أن أقول وببساطة شديدة أن (بنات في حكايات) كانت أولى خطواتي في عالم الرواية.. و(جواري العشق) سيظل بصمتي الأدبية للأبد.. و(سألقاك هناك) هو العمل الذي رفعني لمكانة أدبية رفيعة لأنه عمل مختلف وساحر.. و(للقلب مرسى أخير) يعبر عن نضجي الأدبي بعد مشوار طويل.. * (يعني إيه راجل؟) مجموعة قصصية ساخرة.. كيف تقيمين تلك التجربة وخصوصا أن الجزء الأول صدر العام 2.10 والثاني العام 2019.. وهل تعدينها تجربة ناجحة؟ * بكل المقاييس نعم، بل ودفعني نجاحها إلى فكرة تجربة الكتابة الساخرة في عمل جديد. الكتاب هو أول تجربة لي باللغة العامية على الرغم من أنني من عشاق اللغة العربية، وأول تجربة أيضا في الكتابة الساخرة، لاقت استحسانا عند الكثيرين، كنت أرهب الخوض فيها لأنها تجربة مختلفة، لكنني مع فكرة التجدد في الكتابة حتى لا يمل القارئ.. وما يسعدني حقا هو إعجاب الرجال والشباب بها على الرغم من عنوان قد يبدو مستفزا بعض الشيء لبعضهم. * تجربة إدارة (صالون إحسان عبد القدوس الثقافي) وعقد ندوات (كاتبان وكتاب)، هل أضافت هذه الأنشطة الثقافية المميزة الجادة لك أم عطلتك عن استكمال مسيرتك الثقافية؟ * الحقيقة أنني أعدها جزءا مهما لا ينفصل عن مسيرتي الثقافية بل يكملها، الكاتب لا يمسك فقط بالقلم ويكتب، بل يجب أن يكون له دور إنساني مؤثر، ويجب أن يكون قدوة ويترك إرثا من الإبداع يضيف للبشر.. صالون إحسان عبدالقدوس ربط اسمي باسم كاتب اعتز به وتعلمت منه، وشهادة أبناء إحسان عبدالقدوس في حقي غالية جدا. أما مبادرة (كاتبان وكتاب) ففكرتها بدأت وقت حظر التجوال في بداية العام 2020 نتيجة لجائحة كورونا، وهو التوقيت الذي اضطررت فيه لوقف فعاليات صالون إحسان عبدالقدوس، فكرت في شيء بديل، وما دفعني إلى ذلك هو تلك الحالة من الخلط والاضطراب التي أصابت الوسط الثقافي في السنوات الأخيرة بسبب كثرة الإصدارات التي لا تحمل قيمة ولا معنى، كما أننا في مصر منغلقون لحد كبير على أنفسنا، فهناك أقلام مهمة ومبدعون بحق لم نتعرف عليهم بشكل جيد.. وهي مبادرة لا تهدف لأي ربح مادي اللهم إلا الربح الثقافي التنموي فقط، من خلال ندوات وحوارات أونلاين.. يكفيني أن كبار الكُتاب رحبوا بالفكرة وشاركوني فيها مثل، الروائي الفرنسي الشهير جلبرت سينويه/ السوري جان دوست/ الروائية اللبنانية هدى بركات/ الروائي اللبناني جبور دويهي/ رانيا المعلم مديرة تحرير دار الساقي/ والأردنية ليلى الأطرش/ والأستاذة السعودية بدرية البشر. * شخص تدينين له بنجاحك؟ * بعد الله سبحانه وتعالى الذي أعطاني بلا حدود ومنحني ما تمنيته وأكثر.. يأتي في المقام الثاني بلا منازع والدتي، الإنسانة التي منحتني الحب والحنان والثقة بلا حدود.. هي قارئة نهمة ومثقفة، بل وفنانة أيضا ترسم اللوحات الفنية منذ كنت طفلة، وأعدها من أكبر النقاد لأنها تنتقد بذائقة ومعرفة وليس لأنها مهنة تتربح منها، وهنا يأتي النقد مغلفا بنضج فكري وتذوق أدبي مختلف، لذا أثق في رأيها وترشيحاتها لي. أمي شجعتني منذ نعومة أظفاري على الكتابة والقراءة وأدين لها بنجاحي ووجودها بجانبي طول الوقت.. هي أول من يقرأ رواياتي بعد كتابتها وهي أول من انتظر رأيه في المقالات. * بعد جائحة كورونا أعدنا جميعا تقييم حياتنا، ماذا أضافت تلك الأيام لرشا سمير الروائية والإنسانة أو ماذا سلبتك؟ * كتبت مقالا في جريدة الفجر عن تلك الجائحة وصفتها بأنها كانت درسا لمحو أمية الكثيرين، تلك الفترة جعلتني أعيد ترتيب أوراقي. بعد ما سببته لنا من فقد لأحباء، اتخذت قرار بأن ما تبقى في الحياة يستحق أن نعيش أفضله، واتخذت قرارا بألا أنظر خلفي وألا ألتفت حولي ولا أقارن نفسي بسواي، وأتمسك فقط بتلك العلاقات التي تحيطني بالحب والطاقة الإيجابية.. أصبحت أقضي وقتا أطول في التأمل وأنا أمارس رياضة المشي، أصبحت استمتع بوقتي مع بناتي وأسرتي وأصدقائي.. أبقيت فقط على الأصدقاء الذين يستحقون الصُحبة، الذين يمنحونني الطاقة الإيجابية والبسمة.. وتنازلت عن كل العلاقات المسمومة حتى لو كانت من الأقارب والمقربين.