هي تلك اللحظات التي يقف فيها المتلقي أمام العمل الفني لوحة كانت أو منحوتة، أو أي عمل فني في محاولة لفك رموز المفردات التشكيلية التي يقف أمامها في حالة تساؤل غير مسبوقة، وبالتالي تكون الإجابات مبهمة كذلك. ويختلف التذوق المنبعث من مجرد إعجاب بلوحة ما أو مجرد وصف تعبيري لمحتويات اللوحة، عن العين المتذوقة المتأصلة المتأتية من ثقافة وطيدة؛ فالأمر ليس مجرد مقارنة بين الألوان ولا وصف لما تحتويه اللوحة من عناصر؛ بحيث تعتمد عملية التذوق ودراسة العمل الفني على ما تمتلكه العين المثقفة المدربة التي يمكنها ملامسة الأسرار في اللوحة التشكيلية. ولا تقل مرحلة تذوق العمل الفني عن مرحلة إبداع العمل الفني، فكلاهما إبداع حر تؤكده المعرفة العميقة بأبجدية الفنون التشكيلية ومعرفة أبعادها الفلسفية. فالفنان المبدع يخوض مغامرة مدروسة تمكنه من إيجاد سمة خاصة به تميزه عن غيره، والمبدع المتمكن من قواعد الفن يكون قادرًا على التجديد والتطوير بحيث يمكنه التجاوز للوصول إلى قيم خاصة به يمكنه أن يمثلها ضمن أعماله عن دراية وثقة، كذلك فإن التذوق الفني ليس مجرد دهشة سطحية مجردة، بل هو مجموعة من العوامل المتصلة التي تؤكد كيان اللوحة والتي يمتلك الناقد فيها جرأة في تعميق الحس بالمحتوى الأبعد في العمل الفني ويمكنه من مناقشة المحتوي بكافة التفاصيل بأسلوب علمي ناقد وهادف وهي عملية ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض وقد أوضحها عميد الأدب العربي طه حسين: "إن إنشاء التذوق الفني يسير كل اليسر، وهو عسير كل العسر". وتعتبر عملية التذوق والنقد الفني، أمراً يسيراً عسيراً، قريباً بعيداً، فهو كالسهل الممتنع، ولا يتمكن الفرد من عملية التذوق والنقد إلا من خلال المران والتدريب المستمر، مع امتلاك القدرة على صياغة الجمل الفنية المباشرة، ولا يكون ذلك إلا بعد صحبة وشغف بهذا العمل، بحيث يحدث في نهاية المطاف تواصل وعلاقة بين عين الناقد وإحساسه بالعمل الفني إحساسًا يمكنه من الحديث عنه بصدق وموضوعية.