تخيّل معي -هذا المقال قائم على التخيُّل بنسبة كبيرة- صدقني لنْ تقرأ هذا المقال بقدر ما أنّك سترسمه في خيالك، تخيّل الآن أنكَ تسيرُ بمفردك سيرًا على الأقدام في طريق واسعة ومتفرّعة، مجرّدًا من وسائل التقنية المُساعدة على الوصول، أيًّا كان الهدف الذي تسعى لأجله، حتى وإن كان بحثك عن أقرب مخبز لشراء الخبز، حسنًا فلنفترض الآن أنكَ تبحث عن المخبز وهو الهدف الأساسي؛ لكنكَ لا تعرف مكانه، ستبدأ مهمتك التي ترتكز على التحرّي والتقصي، ستسيرُ باحثًا يمينًا ويسارًا، ستقطعُ مسافات طويلة دون أدنى تذمُّر، قد تعتريك في طريقك بعض العراقيل التي تؤخّرك مثل: قطة ظمآنة بحاجة لأن تقف عندها قليلًا وتسقيها، طفلٌ عجَزَ عن قطع الشارع فتُسهِم أنت في الأمر، صخرةٌ صغيرة تصطدمُ بها، فتؤلمك قدمك إثرها؛ ستتجاهل الألم وتقاوم، إلى أن تشعر بأنك تُهتَ بما حدث سابقًا، وفقدت القليل من الشغف، لا بأس! الصبر والإرادة هما المخرج لمَا أنتَ به الآن، ففي كل وجهة عبرتها فهمتَ شيئًا جديدًا، عرفت أن هذه الوجهة على الأرجح لن تؤدي إلى الهدف، بالتالي لن تسلكها مرة أخرى بنفس القصد، ستتعب ربما وترغمك الأحداث على أن تجلس على الرصيف، لتأخذ شهيقًا عميقًا وزفيرًا، ثم ستهدأ، ستهدأ وكأنّ شيئًا لم يحدث، ستعود من جديد لأنّكَ ما زلتَ بحاجة للأمر ولن تستسلم! ستسيرُ محمّلًا بالأمل، وتمضي لتسأل شخصا ظهر أمامك على حين غفلة، فيخبرك بكلّ أسف وأسى أنه لا يوجد مخبز في هذا الحي، سيعتريك اليأس وتكون بمثابة ضربة على الرأس، فقد بحثتَ كثيرًا وكلّفكَ الأمر وقتًا ليس سهلًا، وجهدًا ليس عاديًّا، ثم ستشعر فجأة وبلا مقدمات أن المخبز موجود، وأنّ الشخص الذي أخبركَ بعكس الذي تشعر به قد يكون عابرًا جديدًا في الحي، أو لمْ يبحث بالشكل الذي يجب، ستبدأ بوضع مبرّرات لإحساسك وتقنع نفسك بمصداقيته، ستؤمن بإحساسك، وتنهض بقوّة أكبر، ستمضي إلى أن تُبصر ملامح المخبز من مدى بعيد جدًا، ستقف مذهولًا! فقدْ بدت ملامح الهدف أمامك؛ لكنها بعيدة وتحتاج إلى تضحية جديدة، لنْ تسير في هذه اللحظات أبدًا، وللمرة الأولى ستتخلى عن السير، وتختار أن تركض! ستركض دون أن تشعر، ستركض كما لمْ تفعل قبل هذا اليوم، ستركض شغفًا وحبًا، ستدور في مخيلتك كل الأحداث التي كادت أن تعيقك عن هذه اللحظة الجميلة، وبقُدرة الله ثم بإصرارك لم تعقك، ولم تؤثر عليك. ما سبق ليس نسجًا من خيال؛ بل تجسيد لحياة معظم الذين نجحوا في تحقيق أهدافهم. المخبز هو هدفك، والخبز هو حلمك، وتلك اللحظة الحاسمة التي ركضتَ بها هي لحظة تحقيق هدفك. هدفك الذي لو لمْ يكن واضحًا وصريحًا، لتراجعتَ عند رؤيتك المخبز من مدى بعيد وقلتَ في نفسك لنْ أسلكَ سبيلًا متعبًا كهذا؛ لكنّه كان واضحًا أمامك للدرجة التي ما استطعت بها للحظة أنْ تُدير ظهرك أو تبتعد! أتمنى الآن بعد إدراكك لأهمية وضوح الهدف، أن تجِد إجابة لعنوان المقال، وألّا تقِف حائرًا إنْ سُئلتَ يومًا عن ذلك السؤال.