في نقاش جمعني مع أحد الأصدقاء، قلت له بأنني سوف أقوم قريباً بالسياحة على كوكب المريخ خلال إجازة الصيف القادم، فما كان من صديقي إلا أن قال لي، هل أنت جاد أم تمزح؟! قد يعتقد البعض بأن هذه مزحة أو قصة خيالية من أحد أفلام الخيال العلمي، إلا أنه من كان يتخيل العديد من الاختراعات التي نراها أمامنا الآن، والتي كانت في يوم من الأيام من وحي الخيال، ومن ذلك صعود الإنسان إلى الفضاء الخارجي ووصوله إلى القمر والمريخ. كان ولا يزال شغف الإنسان وقدرته على استكشاف كل ما هو جديد محط الاهتمام والتفكير، ودائماً ما يحاول الإنسان اكتشاف الأمور التي تكون لها إجابات على العديد من التساؤلات لديه مما يعود بالنفع على الإنسانية. إلا أن اكتشاف الفضاء الخارجي كان له صدى وشغف من نوع آخر، لارتباطه بعشق الطيران من جهة، وكذلك محاولة اكتشاف غموض الفضاء الخارجي من كواكب وأجرام سماوية مجاورة للكرة الأرضية تحمل في طياتها العديد من الألغاز. إلا أن منافع اكتشاف الفضاء الخارجي كثيرة وعديدة، منها ما هو مرتبط بالأبحاث العلمية في العديد من المجالات أو مرتبط بمنافع جمة في مجال الاتصالات الاستشعار عن بعد والملاحة عبر الأقمار الصناعية وغيرها من المنافع الأخرى التي استطاعت تغيير حياة البشرية على كوكب الأرض لما هو أفضل بكثير مما كان الوضع قبل وصول الإنسان إلى الفضاء الخارجي. وبالنظر إلى تعريف القانون بشكل مبسط نجد أنه مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم العلاقات والسلوكيات. ومن خلال هذا التعريف البسيط والتطور الذي نلقاه في العديد من المجالات وخصوصاً مجال الفضاء بشكل خاص، يستنتج أن هناك حاجة ماسة إلى ظهور العديد من التشريعات والقواعد الوطنية التي تنظم هذا القطاع شريطة أن تواكب هذه التشريعات التطورات المستقبلية السريعة التي سوف تطرأ على هذا القطاع بشكل دوري داخل المملكة وخارجها. ومن المعلوم أن الدستور الحاكم لقوانين الفضاء الدولية هو معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوي الأخرى المبرمة في عام 1967م، بالإضافة إلى عدد أربع اتفاقيات دولية أخرى والعديد من القرارات الصادرة من الأممالمتحدة. إلا أن ذلك يحتم علينا ضرورة إيجاد تشريعات وطنية لهذا القطاع للعديد من الأسباب، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي: مواكبه التطور التشريعي القانوني العالمي، وتعزيز دور المملكة الدولي والقيادي في منطقة الشرق الأوسط بصفتها الرائدة في القطاع الفضائي، وكلنا يعلم أن أول رائد فضاء مسلم عربي سعودي هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حيث كان وصول سموه للفضاء على متن مكوك الفضاء ديسكفري ما هو إلا تعزيز لريادة المملكة في قطاع الفضاء بمنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع والتي بدأت قبل عشرات السنوات من هذه الرحلة التاريخية. من الضروري أن يكون هناك قواعد قانونية وطنية واضحة ومحددة تقوم على تنظيم هذا القطاع، سواء من الناحية الاستثمارية أو من ناحية المسؤولية القانونية. إن تحديد المسؤوليات القانونية للعلاقات الناتجة بهذا القطاع سوف يشكل قفزة في التشريعات الوطنية والتي تعزز دور المملكة التشريعي القانوني في هذا القطاع. سوف تكون تلك التشريعات القانونية الوطنية بيئة خصبة وجاذبة بشكل كبير للاستثمارات الدولية والمحلية لهذا القطاع. فمن المعلوم أن حجم الاستثمارات في هذا القطاع كبير جداً، حيث وفقاً لعدد من الإحصائيات وصل حجم اقتصاد الفضاء إلى 414 مليار دولار. كما أنه يوجد منذ عام 2009م ما لا يقل عن 1128 شركة حول العالم بطاقة توظيف تتجاوز عشرات الآلاف من الوظائف. ولعل هذا سوف يكون له مردود إيجابي مباشر وغير مباشر على الاقتصاد الوطني السعودي بكل تأكيد، بالإضافة إلى القدرة على خلق فرص وظيفية جديدة بالمملكة تتجاوز الآلاف. وتكمن أهمية الشق الاستثماري جلياً من خلال إطلاق الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء خلال اجتماعات قمة العشرين بمبادرة نوعية وغير مسبوقة عالمياً حول اقتصاد الفضاء 20. وهذا الأمر يؤكد أهمية هذا القطاع من الناحية الاقتصادية من جهه بالإضافة إلى أهمية دور المملكة الريادي في منطقة الشرق الأوسط والعالم في القطاع الفضائي. إن أهمية هذا القطاع يتضح جلياً بصدور الأمر الملكي الكريم رقم أ/147 وتاريخ 20/4/1440ه بتأسيس الهيئة السعودية للفضاء ومنحها صلاحيات واختصاصات واسعة من أجل تطوير هذا القطاع، مما يؤكد مدى أهمية هذا القطاع للاقتصاد الوطني السعودي ومدى الرعاية والاهتمام الشديدين من قبل القيادة السعودية الرشيدة بهذا القطاع. حيث إن ذلك ليس مقصوراً على تنظيم هذا القطاع داخل الدولة نفسها فحسب، بل يمتد نطاق تطبيق هذا النظام الوطني السعودي إلى ما هو أبعد من ذلك ليصل عنان السماء والفضاء الخارجي، مع عدم تعارض هذا النظام مع المعاهدات والاتفاقات الدولية المتعلقة بهذا القطاع المهم والحساس والتي تكون المملكة طرفاً فيها.