لا يزال تخطيط الأنظمة الكهربائية في بعض الدول يعتمد أساسًا على مفهوم إنشاء المزيد من محطات الكهرباء وتعزيز أنظمة النقل والتوزيع لمجابهة الطلب المتنامي على الطاقة الكهربائية دون النظر إلى دراسة إمكانية التنسيق بين جهة الإمداد (شركة الكهرباء) وبين جهة الطلب (المشتركون) بغية العمل نحو تبني وتطبيق الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تقليص قيم الأحمال الذروية أو تشجيع الاستهلاك في غير أوقات الذروة أو ترحيل (إزاحة) جزء من الأحمال الذروية إلى أوقات أخرى وهو ما يطلق عليه "إدارة الأحمال" حيث يمكن باتباع هذه الأساليب تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتأمين وحدات التوليد الجديدة وكذلك شبكات النقل المطلوب إنشاؤها لمواجهة الطلب المستقبلي على الكهرباء مما ينجم عنه تخفيض في تكاليف الوقود ومصاريف التشغيل والصيانة، كما أن برامج إدارة الأحمال تهدف أيضًا إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإحداث تغييرات على أنماط الاستهلاك ومنحنيات الأحمال وتغيرها مع الزمن لتوائم وبشكل مثالي نمطًا يحقق الاستخدام الأمثل لمعدات النظم الكهربائية من محطات توليد وشبكات نقل وتوزيع. وحتى يمكن تحقيق هدف مرافق الكهرباء بإيصال الخدمة الكهربائية بأعلى مستوى من الكفاية والموثوقية يتم تخطيط النظام الكهربائي تخطيطًا سليمًا ليتمكن من مجابهة متطلبات وتغير الأحمال في جميع الأوقات الزمنية، فعلى سبيل المثال يتم إعداد خطط التوليد طبقًا لتغيرات الأحمال مع الزمن، ولذلك فإنه عادة ما يتم استخدام ثلاثة أنواع من وحدات التوليد لمقابلة الحمل اليومي، النوع الأول يخصص لمواجهة الجزء من الحمل الذي يستمر أطول وقت ممكن ويطلق عليه حمل الأساس، وهذه الوحدات تكون عادة ذات قدرات كبيرة وكفاءة عالية كما تتميز أيضا بأنها ذات مصاريف تشغيلية منخفضة كالمحطات البخارية والمائية، أما النوع الثاني من وحدات التوليد فإنه يتم استخدامه لمواجهة ما يسمى بالحمل المتوسط، وتكون هذه الوحدات ذات قدرات متوسطة، وتختار عادة من المحطات التي تعمل بالفحم أو الغاز أو الديزل أو ذات الدورة المركبة، ويتم تشغيلها والتحكم فيها لتغطي الجزء المتوسط من الحمل وتكون تكاليف إنتاج وحدة الطاقة من هذه الوحدات متوسطة، أما النوع الثالث من وحدات التوليد فإنه يتم استخدامه لمواجهة أحمال الذروة، وتكون قدرات هذه الوحدات صغيرة وتعمل لفترات زمنية أقل (هي فترة الذروة وتكالب الأحمال) وعادة ما تكون من نوع مولدات الديزل أو المولدات الغازية ويمكن تشغيلها وإطفاؤها بسرعة، ولكن من المعروف أن تكاليف إنتاج الطاقة من هذه الوحدات باهظة نظرًا لأن تكاليف تشغيل تلك الوحدات مرتفعة مقارنة بالنوعين السابقين. لذلك، فإن مرافق الكهرباء تقوم بإعداد خططها لمواجهة الأحمال والطلب على الطاقة الكهربائية المستقبلية للمشتركين ومن بينها أحمال الذروة وذلك يعني تأمين استثمارات مالية ضخمة لبناء مكونات المنظومة المسؤولة عن إمداد المشتركين بالطاقة (محطات التوليد، شبكات النقل، أنظمة التوزيع، معدات التحويل، أجهزة التحكم والسلامة) حتى يمكن مواجهة الزيادة المرتقبة وتغيرات الأحمال مع الزمن، وقد يمكن بالتنسيق مع المشتركين توفير جزء كبير من تلك الاستثمارات إذا أمكن تبني واتباع خطط مدروسة وأساليب معينة لخفض أحمال الذروة وإزاحة الأحمال خارج أوقات تزايد الأحمال وتكالبها، ومن هنا تتضح أهمية تعاون فئات المشتركين في تخفيض قيم أحمالهم الذروية أو ترحيل بعض أحمالهم إلى خارج أوقات الذروة والذي بدوره ينعكس على الاستغلال الأفضل للمحطات وبالتالي يسهم في تخفيض تكاليف إنتاج الطاقة وبالتالي إلى انخفاض التعرفة. وتختلف الإجراءات اللازم اتخاذها لتخفيض قيم الأحمال في أوقات الذروة أو إزاحتها خارج تلك الأوقات تبعاً للاستراتيجيات والسياسات المتبعة في مرافق الكهرباء، وقد يتطلب ذلك اتخاذ قرارات من جانب شركات الكهرباء أو الإدارات الحكومية المعنية غير أنه في جميع الأحوال ينبغي إقناع المشتركين بتلك الإجراءات وضرورة تعاونهم مع مرافق الكهرباء للحصول على نتائج جيدة ومن ثم تحقيق الهدف النهائي الذي يخدم مرافق الكهرباء والمشتركين على حد سواء. وسنتناول في الأجزاء المتبقية شرحًا وتبيانًا لمفاهيم إدارة الأحمال وترشيد استهلاك الطاقة. *جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله بن محمد الشعلان