المحبة والعطاء والمشاركة، جميعنا نرغب بها ونستمدها من المقربين لنا من أهل وأصدقاء وزملاء، لكننا أحياناً لا ندرك الحدود التي علينا احترامها مع الآخرين، ومن ثم تنشأ المشكلات والخصومات التي تؤدي إلى القطيعة والكراهية. هناك حرية شخصية للفرد لا يريد من الآخر الاقتراب منها، وهذا موجود في كل شخص منا، حيث إن له مربعاً خفياً خاصاً يتبادل معه أسراره وحديثه الذاتي، من هنا ترتسم الحدود بيننا وبين الآخر، فعندما ندرك هذا ونحترمه يشعر الجميع بالارتياح والاستقلالية وكذلك بحريته الخاصة به، فمتى أراد التعبير أو السكوت، فإن له الحرية في الاختيار والقرار. عندما ننظر إلى مفهوم الحرية الشخصية من منظور الأفراد أو الحياة الزوجية أو الحياة العائلية لا نجد اختلافاً في ممارسته كفرد أو جزء من العائلة أو حتى مع مجموعة من الأفراد، هذه الممارسة تغيب عن البعض، الذي يعطي لنفسه الحق في دخول مربعك الخاص، وعندما توضح له أن هناك جزءاً خاصاً بك من الطبيعي أن تحتفظ به، يغضب وربما يشعر أنك لا توده أو لا تحبه أو أنك بعيد عنه. هذا الإشكال في مفهوم الحرية في الجانب الخاص بالفرد يقع أحياناً بين الآباء والأمهات مع أبنائهم البالغين، فهم ما يزالون يرون أبناءهم صغاراً، ويريدون معرفة كل شيء صغير أو كبير عنهم، وقد يكون من الأبناء من هو متزوج أي لديه الآن حياته الزوجية الخاصة به ولديه الدائرة الجديدة في حياته، لكن للأسف يجد كثيراً من تدخل الأهل في شؤونه، ما يزعجه، فتحدث الحدية والمشكلات مع الآباء والأمهات، وأيضاً في الوقت نفسه يشعر الوالدان أن هذا الابن عاق وجاحد. لذا من المهم على الوالدين الوعي بأن الأبناء عندما يكبرون وينضجون فإن لهم مساحة خاصة بهم، فقد أصبحوا متزوجين الآن، يمارسون حياتهم وفق ما يقررونه ويرونه مناسباً لهم، وأنهم يتحملون مسؤولية أنفسهم، وهذه تجربتهم الخاصة. نلاحظ اشتعال حدية المشكلات بين الوالدين والأبناء عندما يحدث خلاف بين الزوجين، ويعلم الوالدان بها، فتبدأ التدخلات سواء كانت صحيحة أو خاطئة، مما يشعر الزوجين بالحرج أو عدم القدرة على اتخاذ القرار والحل المناسب. لذا نحرص دائماً على توعية الزوجين بأن حياتكما الخاصة لكما، لأنهما سينسيان المشكلة وترجع أمورهما كما كانت جيدة، لكن الأهل سيبقون دائماً يتذكرون هذه المشكلات ويحملونها لأحدهم على حساب الآخر، أيضاً من المهم أن يكون الزوجان واعيين لكيفية رسم حياتهما الخاصة مع الاحترام والتقدير لجهود الوالدين، فلا يقعان في المحظور برد قاسٍ أو قطيعة أو إهمال والديهما وأخذ موقف خاطئ منهما، لا بد أن يدرك الزوجان اختلاف طبيعة الجيلين -جيلهم وجيل آبائهم- سواء كان اختلافاً فكرياً أو تطلعات، لا بد أن يراعيا ذلك ويغدقا على الوالدين مساحة كبيرة من تقدير وقيمة لمكانتهما ومحبة لهما دائمة وبطريقة واعية، لرسم الحدود الطبيعة التي تحفظ حياتهما الزوجية من تدخل الأهل منذ البداية.