يمثّل الشاعر والناقد الإنجليزي صامويل تايلر كولريدج، ذلك المزيج الفريد للشعر والفلسفة، حيث أفاض على الحركة الرومانتيكية الكثير الذي عزز الحضور الأدبي للنص الإنجليزي الكلاسيكي في الثقافة العالمية. يُعد كولريدج أحد أكثر الشخصيات تأثيراً وإثارةً للجدل في الفترة الرومانسية، ورغم أن حياته المهنية تأسست كشاعر إلا أنه كان كاتباً نثرياً بقدر شاعريته، وذلك ما ظهر في عمله الرئيس «ترجمة أدبية»، وقد تضمنت جميع أعماله موضوعات خارقة للطبيعة وصوراً غريبة، تفوح منها رائحة الأفيون الذي أدمنه حتى الموت. ذلك الأفيون بدا واضحاً في كتابات مساعده الناقد والكاتب توماس دي كوينسي الذي اشتهر بكتابه «مذكرات مدمن إنجليزي على الأفيون»، كما اشتهرت إحدى مقالاته الغريبة بعنوان «جريمة القتل بوصفها فناً جميلاً»، ولربما استوحى كل ذلك من حياة كولريدج المضطربة. لم تكن حياته سهلة على الإطلاق، فقد عمل على تحرير مجلة «وتشمان» إلا أنها فشلت بعد صدور عشرة أعداد منها، وذلك الفشل جعله يدرك أنه «غير لائق للحياة العامة»، فمارس الانعزال والتأمل والفلسفة حتى أن فلسفته توصف بأنها تأمل بجانب النار، وترتكز على تلك الصورة المبهجة للحظة العطاء في حياته. تلك الفلسفة جاء بها من ألمانيا حيث كان مسؤولاً بشكل أساس عن استيراد الفلسفة النقدية الألمانية لإيمانويل كانط وفريدريش شيلينغ. وقاده ذلك إلى تمييزه المتميّز بين الثقافة والحضارة، حيث قدم عدة وسائل لنقد الدولة النفعية، استمرت حتى هذا العصر، كما أنه قدم عن طريق الفلسفة ومن خلال كتاباته اللاهوتية المتأخرة مبادئ الإصلاح في كنيسة إنجلترا. قلل كولريدج من تقدير قدراته كشاعر، واعتقد خطأً أنه غير قادر على تجسيد تفكيره في الشعر الحقيقي، لذلك تحول إلى كتابة النثر، وخاصة النقد الأدبي. ولكن رغم ذلك شهدت مسيرته خلال سبعة أعوام نمواً شعرياً وفكرياً سريعاً، حتى أصبح إنجازه الأدبي المتنوّع والفخم، هو حجر الزاوية للثقافة الإنجليزية الحديثة، ومصدراً غير مسبوق في التفكير المستنير في العالم الجديد الشجاع الذي حضر آلام ولادته. يظل كولريدج هو الشاعر الناقد الأول للتقاليد الإنجليزية الحديثة، ويتميز بنطاق وتأثير تفكيره في الأدب بقدر ما يتميز بشعره المبتكر. وككثير من المبدعين المتفاعلين مع القضايا الكبيرة نشط في أعقاب الثورة الفرنسية كمنشق وواعظ علماني، ألهم جيلاً بارزاً من الكتاب، وقدم الإضافات التي جعلت منه نموذجاً أدبياً رفيعاً ومبدعاً حقيقياً. جاءت معظم أشعاره من خلال تلك الحالة التي كانت تسحبه من حالة الذهول الميتافيزيقية، وأعادته إلى «حب الطبيعة، وإحساس الجمال في الأشكال والأصوات». وتلك الحالات التي عاشها بين الشد والجذب والعزلة والانخراط مع الناس، أوجدت على ما يبدو نوعاً من الاستجابات المتناقضة التي صورته أحياناً على أنه مرتد يخون تعاطفه الثوري. لكن دائماً ما كانت قصائده توحي، وخطبه العلمانية تؤكد، في تلك الفترة، أن ولاءه كان دائماً لمُثل الحرية، وليس التمرد الديمقراطي. تأثر مع بعض أصدقائه بجمهورية أفلاطون، وقاموا ببناء رؤية للبانتيسوقراطية، وهي حكومة متساوية للجميع، تضمنت الهجرة إلى العالم الجديد مع عشر عائلات أخرى لتأسيس مجتمع جديد على ضفاف نهر سسكويهانا في ولاية بنسلفانيا، ولكن ذلك لم يكن أكثر من هروب يحفزه القلق والمثالية الفائقة. لم يخل إرث كولريدج من اتهامات بالسرقة الأدبية، سواء في شعره أو مقالاته النقدية، ولكن ذلك لا ينفي عنه قيمة الأصالة الإبداعية، رغم أنه كان يميل إلى ترك مشروعاته الأدبية غير مكتملة، ومع ذلك حصل العالم والأدب على حزمة إبداعية رائعة، تعززها شهادة توماس ستيرنز إليوت بأنه أظهر مقدرات طبيعية أكبر بكثير من معاصريه، وسطع بشعره ونثره بما ضخ الدم في شرايين الحركة الرومانتيكية. د. عادل النيل