«هل تعتقد أن العالم كله هو استعارة لشيء آخر؟» في الخمسينات من القرن الماضي، يعيش «ماريو» مع والده في جزيرة إيطالية صغيرة في البحر الأبيض المتوسط. لا يرغب «ماريو» في متابعة مهنة والده كصياد سمك، ويقرر بدلاً من ذلك أن يصبح ساعي البريد في الجزيرة. ينصب اهتمامه الرئيس على توصيل حشود من رسائل المعجبين إلى أشهر سكان الجزيرة، «بابلو نيرودا»، الشاعر التشيلي الشهير الذي يعيش في المنفى. بمرور الوقت، تنشأ صداقة وثيقة بين ساعي البريد الأميّ وصانع الكلمات الموهوب، ومن خلال هذا يكتسب «ماريو» حبًا عميقًا للشعر، والذي يأمل أن يحسّن حياته العاطفية بتكييف قصائد «نيرودا» لغرضه الخاص. حيث يساعد نيرودا صديقه الشاب على متابعة أحلامه والتعبير عن حبّه والفوز بقلب الجمال المحلّي «بياتريس». نلتقي في كثير من الأحيان ببعض الأشخاص الذين يساعدوننا في إدراك القوة والإلهام بداخلنا. لتجد نفسك من خلال الدخول في تلك العوالم العميقة من وجودك، والتي لم تكن قادرًا على الوصول إليها من قبل. نفس الشيء يحدث مع ماريو في صداقته مع نيرودا. يكتشف الشاعر بداخله ويزداد وعيه بالوضع السياسي المحيط به. إنه يدرك أنه أيضًا يمكنه أن يتخطى مصائبه من خلال القتال من أجل نفسه ومجتمعه. إن صوت الأمواج والريح، جمال الشفق، وعظمة الجبال، تكشف له الآن بمجد جديد. يعدّ Il Postino واحدًا من أرقى إشادات السينما لفن الشعر، حيث يتميز بنقاوة القصائد الغنائية والمليئة بالإنسانية الرقيقة. في الحقيقة، الفيلم بحد ذاته قصيدة، هادئ ومقلل من الأهمية، لكن لديه قوة جبارة لإشراك جمهوره وإثارة إعجابه. تم وضع الفيلم على خلفية إيطالية مذهلة، حيث تجعل الوتيرة المتوازنة للفيلم والتصوير السينمائي اللافت للنظر فيه متعة للعين بينما يجسّد النص الساحر والرائع القلب. لكن الجمال الحقيقي للفيلم يكمن في هدوئه، حيث يشمل قصة صداقة وشعر وسياسة ورومانسية وحسرة غير عادية، وكلها يتم توسيعها بطرق بارعة ومرضية عاطفيًا. تستند قصة الفيلم إلى مسرحية بعنوان «الصبر المحترق» للمؤلف أنطونيو سكارميتا، والتي تم تحويلها إلى رواية بعنوان «ساعي بريد نيرودا». يستخدم المخرج «مايكل رادفورد»، المونتاج في الجزء الأخير من الفيلم ببراعة مدهشة تزيد من قوة التأثير العاطفي للقصة. وقدرته الفائقة على الجمع بين الشخصيات والمواقف المختلفة بأسلوب يحرك مشاعر المشاهد ويترك لديه إحساسًا عميقًا بالارتباط العاطفي بشخصيات الرواية. تم تصوير الفيلم بشكل جميل في جزيرة كابري، مع عروض مؤثرة، أشبه بنصب تذكاري مناسب لممثلها الرئيسي وكاتب السيناريو المشارك، «ماسيمو ترويسي»، الذي كان يعاني من عيب في القلب أثناء صنع الفيلم والذي توفي عن عمر يناهز 41 عامًا، موت ماسيمو المفاجئ، الذي يأتي بعد وقت قصير من إنتاج الفيلم يعطي المشاهد النهائىة للفيلم إحساسًا شديدًا بالآلام. «وفي تلك السن وصل الشعر إلي وهو يبحث عني» - نيرودا.