يعلم الإعلاميون أنه من المستحيل وجود مباراة في أي مكان في العالم من دون أخطاء من الحكم، ويعلمون جيداً أن كل أندية العالم استفادت وتضررت من تلك الأخطاء، ويعلمون كذلك أن الفرق القوية لا تؤثر فيها أخطاء الحكام، من هنا أتساءل: لماذا لا يركز نقاد كرة القدم على عناصر المنظومة كافة؟!.. كنت أشاهد التلفزيون، وجدت بالصدفة على إحدى القنوات مباراة قديمة في كرة القدم بين ريال مدريد وفالنسيا، كانت ممتعة، لم أستطع تغيير القناة، شدتني المباراة فشاهدتها حتى النهاية. المتعة توفرت في هذه المباراة لعدة أسباب منها: * لياقة اللاعبين العالية. * السرعة في الأداء. * عدم إضاعة الوقت. * التركيز على اللعب وليس الحكم. * ثقة الحكم بقراراته. * امتثال اللاعبين لقرارات الحكم. * اللعب على الكرة وليس على أقدام اللاعبين، صلابة وتحمل دون عنف. * التعليق الحيادي الفني، تعليق لا يلقي محاضر وإنما يوضح للمشاهد خطط المدربين ومهارات اللاعبين، يصف لك كل لقطة بتعليق فني مختصر مفيد دون جمل مطولة واستطراد ومبالغة. نستطيع القول إن المتعة في كرة القدم هي حصيلة منظومة تجتمع فيها عدة عناصر، هذه العناصر التي أشرنا إليها هي جزء من عناصر كثيرة تحقق الإثارة والمتعة. مناسبة هذا الحديث هو أن بعض المباريات عندنا تفتقد إلى المتعة بسبب ضياع كثير من الوقت بكثرة الصافرة، وكثرة الاحتجاج على قرارات الحكم، والتدخلات العنيفة، واللياقة الضعيفة، والتعليق غير الفني وغير الموضوعي أحيانا. عندما لا تتوفر الإثارة الفنية الممتعة داخل الملعب يتجه الجمهور خارج الملعب فيجد إثارة تصل إلى درجة التعصب ساحاتها المقالات الصحفية، والبرامج التلفزيونية والإذاعية، ووسائل التواصل الاجتماعي، كل ما سبق يمكن إدراجه تحت عنوان (افتقاد الموضوعية). المشاركون في هذه الإثارة غير قادرين على طرح آراء متحررة من الميول رغم أنهم يتحدثون تحت مسمى ناقد أو إعلامي، هذا النقد الخاضع للميول هو الذي يجعل الآراء متناقضة والأحكام متفاوتة رغم تشابه الحالات المطروحة للنقاش. إن توفر النقد الموضوعي ينتج عنه المتعة والفائدة التي أشرنا لها في مستهل هذا المقال، هذا دور برامج الإعلام الرياضي بوسائله المختلفة ليكون قائدا للتطوير ونبذ التعصب وليس العكس، ولكن كيف سيقوم بهذا الدور إذا كان محور الطرح الإعلامي هو التحكيم، وهو طرح خاضع لمعايير ميول المتحدثين وليس لمعايير القانون؟! المملكة في مسيرة تنمية شاملة، تطورت وتتطور في كل المجالات إلا في مجال الإعلام الرياضي، إذا أخذنا كرة القدم كمثال نجد أن محور الطرح الإعلامي المسيطر الثابت هو التحكيم، يعلم الإعلاميون أنه من المستحيل وجود مباراة في أي مكان في العالم بدون أخطاء من الحكم، ويعلمون جيدا أن كل أندية العالم استفادت وتضررت من تلك الأخطاء، ويعلمون كذلك أن الفرق القوية لا تؤثر فيها أخطاء الحكام، من هنا أتساءل، لماذا لا يركز نقاد كرة القدم على كافة عناصر المنظومة التي أشرنا إليها؟ ولماذا أصبحت الحوارات الرياضية مجرد مناظرات بين ممثلي أو مشجعي الأندية غير القادرين على تقديم نقد موضوعي؟ لماذا انتقل التنافس الرياضي بروح رياضية من داخل الملعب ليتحول خارج الملعب إلى حوارات لا يكفي أن نقول إنها غير موضوعية وغير مفيدة ولكنها مع الأسف تغذي التعصب الرياضي، ومن غرائب بعض الحوارات الرياضية أن المتلقي يعرف مسبقا ما سيقوله المشاركون فيها لأن المشاركين يشاركون كممثلين للأندية وغير قادرين على تقديم نقد موضوعي، ولهذا تتناقض آراؤهم بين حالة وأخرى مشابهة. القول إن الإثارة مطلوبة في منافسات كرة القدم لا يبرر فتح مجال لنظرية المؤامرة وفكر التشكيك وتوجيه الاتهامات، والضغط على الحكام الوطنيين بدلا من تطويرهم. أولى خطوات التطوير هي الثقة بهم وإلحاقهم ببرامج تطويرية مكثفة، أعطينا ثقتنا للمواطن الطبيب والمهندس والطيار وفي مجالات مختلفة، فلماذا لا نعطيها للحكم، مع ملاحظة أن الناقد الرياضي الذي يطالب الحكم بالأداء الاحترافي والدقة والبحث عن الحقيقة لا يمارس هذه القيم في الأستوديو. تطوير الإعلام الرياضي يطرق أبواب وزارة الإعلام ووزارة الرياضة واتحاد الإعلام الرياضي، فهل من مجيب؟.