خيط فاصل بين الفن بذاته وما ينبغي أن يكون، بمعنى أن هناك معايير مُثلى ومبادئ عامة تساعد في توجيه الإبداع والابتكار للعمل الفني الذي يقوم على مبادئ جمالية «فنية» ذاتية تحت مظلة معيار القيم الأخلاقية المتعالية، أي أن الفن القائم بذاته لابد أن يراعي «الفضاء العمومي» الذي يشهد تشكل القيم كما يصطلح ذلك الفيلسوف الألماني يورغن هابرمس مثل الالتزام والتسامح والمحبة والصالح العام..إلخ. هذه العلاقة المتباينة محط جدل لا ينتهي يزداد تعقيداً وتشعباً كلما واكب الإنسان مراحل التطور المطرِدة التي يعيشها في هذا العصر الذي تغيرت فيه الكثير من المفاهيم وتشابكت أُطر المعارف مما اضطره إلى إعادة التفكير والبحث في الكثير من القضايا والإشكالات المعاصرة ومن ضمنها تحرر الفن من أي وصاية أو تنميط أو استغلال مما دعا بعض المفكرين والفلاسفة بمقولة صارخة مفادها أن الفن لذات الفن دون حكم أخلاقي بحجة أن أي حكم قيمي يقتل النزعة الاستقلالية المبدعة وتجعل المنتج الفني بلا قيمة فنية دالة أو تحويره إلى منتج أيديولوجيا ينجرف لوطأة الهيمنة الاجتماعية الزائفة بكل أنواعها أو الركض خلف عالم السوق ومبدأ الربح وفقط. ثمة رأي آخر هو أن الفن في كينونته يحمل قيماً أخلاقية تدعو للخير والفضيلة وبناءً على ذلك يكون العمل الفني اللا أخلاقي انحرافاً عن القيم وليس جديراً بأن يكون فناً وعلى النقيض من ذلك هناك رأي آخر يعارض ذلك التصور الأخلاقي أورده جان برتيلمى في كتابه «بحث في عالم الجمال» أن الفن غير أخلاقي في تكوينه الداخلي الذي يهدف لتحقق اللذة والمتعة والمنفعة دون أدنى صلة بأي اعتبار آخر وهنا أتذكر مقولة لسارتر حينما قال الأدب شيء والأخلاق شيء آخر. ولمساعدتنا في فهم هذا الاشتباك ومقاربته فلسفياً لا مناص لنا إلا بالرجوع للفيلسوف الألماني كانط في مؤلفه الثالث «نقد الحاكمة» حول الجمال على الرغم أن أفكاره الجمالية تنسجم في اتجاه النقدي في كتبه السابقة في سلسلة كتبه النقدية كتاب نقد العقل المحض وكتاب نقد العقل العملي وذلك كونه منجماً فكرياً يُضفي الكثير من التصورات. ومع هذا لا يمكنني القول بأن هناك دساتير أخلاقية منضبطة تحرر النزاع ما بين الفن القائم بذاته الذي يعبر عن حالات ذهنية والحكم عليه حكماً استطيقياً مجرداً محايداً لا يحمل أي قيم أخلاقية وما بين الأخلاق كقيمية إنسانية مشتركة تعززها بعض الروافد من عادات وتقاليد وأديان فالعلاقة أكثر تعقيداً وتشابكاً تتسع وتضيق بها الدوائر حسب المجتمع وما يحمله من معتقدات وأفكار. إيمانويل كانط يورغن هابرماس