أصبح دونالد ترمب أول رئيس في تاريخ الولايات المتّحدة يُحال أمام مجلس الشيوخ مرّتين لمحاكمته بهدف عزله، قبل أسبوع على انتهاء ولايته وسط أجواء من التوتر الشديد. صوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون الأربعاء لصالح توجيه الاتهام الى الرئيس بغالبية 232 صوتا في مقابل 197. واتهم الملياردير الجمهوري البالغ من العمر 74 عاما بتشجيع الهجوم الذي شنه أنصاره على الكابيتول في 6 يناير وأوقع خمسة قتلى وهز أسس الديموقراطية الأميركية. وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي إنّ الخطوة غير المسبوقة التي أقدم عليها مجلس النواب تثبت أنّ "ما من أحد فوق القانون". وقالت بيلوسي لدى توقيعها على القرار الاتّهامي تمهيداً لإحالته على مجلس الشيوخ إنّ "مجلس النواب أظهر اليوم، بمشاركة من الحزبين، أنّ ما من أحد فوق القانون، ولا حتّى رئيس الولايات المتّحدة"، مكرّرة التحذير من أنّ ترمب يشكّل "خطراً واضحاً وفورياً" على البلاد. في شريط فيديو نشره البيت الأبيض، دعا ترمب من المكتب البيضوي الأميركيين الى "الوحدة" بدون أن يأتي على ذكر إجراء العزل. ورغم عدم اعترافه بأي مسؤولية في أعمال العنف، أكد ترمب أنّ "الذين شاركوا في الهجمات الأسبوع الماضي سيُساقون أمام العدالة" قائلا إنهم لا يمكن أن يكونوا "أنصاره الفعليين". وقبل أيام من انتقاله إلى مارالاغو في فلوريدا وتنصيب الديموقراطي جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، يبدو ترمب معزولا. الجمهوريون أيضا خلافا لاجراء العزل الأول في القضية الأوكرانية قبل أكثر من سنة والذي اعتمده الديموقراطيون فقط، صوت عشرة نواب جمهوريين هذه المرة لصالح إحالة الرئيس على المحاكمة. وبين هؤلاء، دان نيوهاوس الذي قال إنه "لا أعذار لأفعال الرئيس ترمب". ويمهد هذا التصويت الطريق تاليا أمام فتح إجراء عزل بشكل رسمي ضد ترمب وبات الأمر أمام مجلس الشيوخ الآن لمحاكمته. لكن هذه المحاكمة التي لن تبدأ قبل وصول جو بايدن إلى السلطة، تطرح الكثير من التساؤلات. وقال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل إنّه من غير الممكن إجراء محاكمة "عادلة أو جادّة" لترمب في غضون الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأبيض وقبل تولّي الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة الأسبوع المقبل. بالتالي يبقى الجدول الزمني غير أكيد. بالنسبة للديموقراطيين، يكمن الخطر في أن تستحوذ المحاكمة كل الانتباه وأن تعرقل العمل التشريعي في مستهل ولاية بايدن. ودعا بايدن ليل الأربعاء مجلس الشيوخ للمصادقة على التعيينات التي أجراها والقرارات التي يعتزم اتّخاذها في مستهلّ عهده، وذلك بالتوازي مع واجباته في إجراء محاكمة ترمب. وقال "آمل أن تجد قيادة مجلس الشيوخ طريقة تمكّنها من أن تتعامل في آن معاً مع مسؤولياتها الدستورية بشأن إجراء العزل ومع الشؤون العاجلة الأخرى لهذه الأمة" مشيرا الى التعيينات وإعادة إطلاق الاقتصاد الأميركي ومواصلة خطة توزيع اللقاحات ضد كوفيد-19. قبل ساعات على التصويت ومن واشنطن التي سادها توتر شديد، وجه ترمب دعوة متأخرة الى الهدوء. وقال في بيان "ليس هناك أيّ مبرّر للعنف على الإطلاق. لا أعذار ولا استثناءات: أميركا دولة قانون"، مشدّداً على أنّ "الذين شاركوا في الهجمات الأسبوع الماضي سيُساقون أمام العدالة". عسكريون في الكابيتول ووضعت العاصمة الفدرالية واشنطن تحت حماية أمنية مشددة. ونُشرت صور معبّرة تظهر عشرات من جنود الاحتياط وقد أمضوا الليل داخل مبنى الكونغرس، وكانوا ما زالوا نائمين على الأرض في الغرف والممرات لدى وصول أعضاء البرلمان. ونصبت حواجز اسمنتية لسد أبرز محاور وسط المدينة كما أحاطت أسلاك شائكة بعدد من المباني الفدرالية بينها البيت الأبيض، فيما كان الحرس الوطني منتشرا بقوة. واعلنت بيلوسي أن غرامات تصل إلى عشرة آلاف دولار قد تفرض على البرلمانيين الذين يرفضون أجهزة رصد المعادن الجديدة. وقالت "إنه أمر مأساوي أن تكون هذه المبادرة لازمة لكن مجلس النواب يجب أن يكون مكانا آمنا". ومن المقرّر أن يؤدّي جو بايدن اليمين الدستورية تحت حراسة مشددة في 20 يناير من على درج الكابيتول. وبعدما انتقد لتأخره الأربعاء الماضي في إرسال الحرس الوطني، أجاز البنتاغون نشر 15 ألف جندي للحفاظ على الأمن خلال مراسم التنصيب. وطوال نهار الأربعاء كانت النقاشات حامية في مجلس النواب. ووصفت النائبة الهان عمر، دونالد ترمب بأنه "طاغية" قائلة "لا يمكننا مجرد طي الصفحة بدون القيام بشيء". في صفوف الجمهوريين كانت المواقف أكثر تفاوتا. فقد دافع أشد مناصري الرئيس المنتهية ولايته عنه على غرار جيم جوردان الذي ندد "بهوس" لدى الديموقراطيين. لكن آخرين نأوا بأنفسهم. وقال زعيم النواب الجمهوريين كيفن ماكارثي إن "الرئيس يتحمل مسؤولية في الهجوم" على الكونغرس "من قبل مثيري أعمال شغب" وأنه "كان يجب أن يندد فورا" بأعمال العنف. وطالب بتشكيل "لجنة تحقيق وإجراء تصويت على حجب الثقة". لكنه اعتبر أن تقديم إجراء عزل في مثل هذا الوقت مع اقتراب انتهاء الولاية "خطأ". لكن في معسكره قلة يشاطرونه هذا الرأي. وقبل إقرار اللائحة الاتهامية رسمياً لم يستبعد ماكونيل أن يصوّت لصالح إدانة ترمب. وكتب ماكونيل في رسالة الى زملائه الجمهوريين "لم أتّخذ قراري النهائي بالنسبة الى كيفية التصويت، أعتزم الاستماع إلى الحجج القانونية حين يتم تقديمها في مجلس الشيوخ". وفي مقابلة مع شبكة "سي بي اس نيوز" قال عضو مجلس الشيوخ كريس كونز إن الحكومة الفيدرالية بحاجة إلى "إغراق المنطقة المحيطة بمبنى الكابيتول". وطلب المسؤولون المحلييون للعاصمة واشنطن وولايات ميريلاند وفيرجينيا القريبة من سكان المنطقة البقاء في منازلهم نظرًا للتهديدات المزدوجة بالعنف وارتفاع مستويات الإصابة بCOVID-19. وأعلن تطبيق "AirBNB" للحجوزات بأنه سيلغي امكانية حجز أي غرف أو بيوت سكنية في العاصمة واشنطن أو المناطق المحيطة بها خلال أسبوع تنصيب جو بايدن.