بمجرد إطلاق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لمشروع "ذا لاين" العملاق في منطقة نيوم، قفزت ذاكرتي للوراء قليلاً، وتوقفت عند قول سموه سابقاً إن نيوم العالمية ستكون لاستثمارات الحالمين، "وموقعاً للحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم، ولا مكان فيها للاستثمارات التقليدية". المدينة المليونية الحديثة، الثورة الحضارية، صديقة الإنسان والبيئة، ستحتوي على سلسلة من المجتمعات الإدراكية المترابطة والمعززة بالذكاء الاصطناعي، وخالية من الانبعاثات الكربونية، بلا ضوضاء أو تلوث، أو مركبات وشوارع.. وهذا وحده كافٍ للتباهي. التحدي في كل العالم هو المستقبل، لا خلافات كبيرة حول ما يحدث الآن، خاصة مع توفر الإمكانات واستقرار المناخ -إلى حد ما-، ووفرة العوامل المعيشية، لكن كل هذا في تلاشٍ متسارع، حيث تتضاعف التحديات في غضون عقدين أو أقل، لتصل لمرحلة كسر الزجاج، في ظل محدودية الموارد، وتزايد السكان.. ويبقى التحدي الدائم هو خلق حلول البقاء! أدركت نيوم صراعات المستقبل، لذلك قاد رئيس مجلس إدارتها الفكرة المستقبلية مبكراً، وخلق مشروع The Line (على امتداد 170 كلم) باستخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100 %، لتكون مسؤولية الحفاظ على البيئة جزءاً لا يتجزأ من القوانين التشريعية، والأنظمة التي تعزز الممارسات المستدامة على الصعد كافة. مع تطور المدن، بمختلف التصاميم والمدارس والعصور، ظلت التحولات تفكر في كيفية بناء الشوارع، وتسهيل تنقل المركبات، بتنوع وسائل النقل، إلا أن ال"لاين" الجديد جاء فتحاً ثورياً في حياة المدن، حيث يركز على الإنسان وراحته، وطريقة عيشه وتنقله، بطرق عصرية وسريعة، تعتمد على أسرع التقنيات، بما يضمن عدم الإضرار بالمناخ أو البيئة، رافعاً في الوقت نفسه من جودة التواصل والحياة. اللافت في إعلان الأمير محمد بن سلمان هو أن مجتمعات "ذا لاين" ستدار بالاعتماد الكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتسهيل عملية التواصل مع الإنسان بطريقة تمكنها من التوقع والتفاعل بقدرات غير مسبوقة؛ وهو ما يوفر وقت السكان والشركات.. والحالمين. ولمن يدركون أن "البيانات هي النفط الجديد"، فستكون المجتمعات "اللاينية" مترابطة افتراضياً فيما بينها؛ إذ سيتم تسخير نحو 90 % من البيانات لتعزيز قدرات البنية التحتية، في حين يتم تسخير 1 % فقط من البيانات في المدن الذكية الحالية، وهذا وحده مدعاة للتخيل بالمستقبل الكبير. والسلام..