تسعى كل الدول إلى زيادة اقتصادها والمحافظة عليه، ومن أجل تحقيق ذلك يكون التركيز على توطين الوظائف لطرد شبح البطالة الذي يطارد الشباب ولزيادة دخل الفرد، الأمر الذي سيحسن من النشاط الاقتصادي الحقيقي محلياً، ويحد من رحيل الأموال إلى الخارج، كما أنه سيحسن من فرص بناء المهارات، وتراكم الخبرات لدى المواطن في الأنشطة التجارية المختلفة، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً وقبل اكتشاف النفط بكميات تجارية الذي فتح آفاقاً جديدة من التنمية لوجدنا أن جل العاملين في شتى الحرف والوظائف هم من أبناء البلد، ولم يكن يعرف في سوق العمل الأجانب البتة، وإنما بدأ توافد هؤلاء بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية كما أسلفنا، ما أدى إلى ضرورة الاستعانة بالعامل الأجنبي ذي الخبرة في إنجاز بعض الأعمال التي تتطلب مهارة وتعليماً راسخاً، وتلا ذلك توافد العديد من العمالة للعمل في بناء الدولة الحديثة من العاملين في مجال التعليم والصحة والهندسة وكافة التخصصات، إضافةً إلى العمالة التي انخرطت في مجال البناء والتعمير نظراً لكثرة المشاريع الحكومية الخاصة. تدريب وتأهيل وبعد استكمال عمليات البناء والتشييد وظهور جيل متسلح بالعلم ومكتسباً أنواعاً من الخبرة في مجال العمل، فقد سعت حكومتنا الرشيدة ومنذ عقود وبخطوات راسخة في توطين الوظائف وترغيب جيل الشباب في ذلك من خلال مساعدتهم في الحصول على وظيفة تتناسب وتأهيلهم في شتى وظائف القطاع الخاص التي يشغل معظمها الأجانب، وسمي هذا الإجراء باسم «السعودة» أي إحلال المواطنين السعوديين في الوظائف التي يعمل بها الوافدون الأجانب، خاصةً التي لا تتطلب قدراً من الخبرة أو التأهيل العلمي وهي كثيرة جداً، وقد بدأت أولى محاولات السعودة الجادة حوالي عام 1975م، إذ يوجد موظف سعودي واحد مقابل كل ثلاثة موظفين غير سعوديين في سوق العمل السعودي، وهي نسبة كبيرة كما يرى المسؤولون الذين يواجهون تحدياً حقيقياً في توظيف السعوديين في الوظائف المختلفة في البلاد، ويرى الكثير أن هذا الإجراء كفيل بالحد من مشكلة البطالة، وتسعى الدولة إلى زيادةِ نسبة المواطنين العاملين في القطاع الخاص، وذلك انسجاماً مع رؤية المملكة 2030، وفي هذا الصدد قامت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإصدار قرار توطين العديد من المهن في القطاع الخاص بالمملكة لرفع مستوى مشاركة الكوادر الوطنيّة المؤهلة في سوق العمل من خلال توفير التدريب والتأهيل والبرامج التدريبية الإلكترونية، ومن أهم الوظائف التي تم توطينها أو سعودتها مهنة منافذ تأجير السيارات، ووظائف مبيعات التأمين، ووظائف المراكز التجارية المُغلقة توطين قطاع سيارات الأجرة العامة، ومنافذ البيع في اثني عشر نشاطاً وتشمل القطاعات المستهدفة منافذ البيع في كل من محلات الساعات، ومحلات النظارات، ومحلات الأجهزة والمعدات الطبية، ومحلات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ومحلات قطع غيار السيارات، وكذلك محلات مواد الإعمار والبناء، ومحلات السجاد بأنواعه كافة، ومحلات السيارات والدراجات النارية، ومحلات الأثاث المنزلي والمكتبي الجاهزة، ومحلات الملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، ومحلات الأواني المنزلية، ومحلات الحلويات. جيل الكفاح وارتبط جيل الأمس، جيل الآباء والأجداد بحبه للعمل والتفاني فيه مما جعل من يتحدث عنهم يطلق عليهم جيل الكفاح، الذي كان يقوم بجميع ما يحتاجه بنفسه بدءا من بناء المنزل والتعليم إلى إنتاجه غذاءه مروراً باحتياجاته اليومية، حيث كان ذلك أمراً مسلماً، به فلو عدنا إلى الوراء لأقل من مئة عام لوجدنا أن إنسان هذه البلاد هو من كان يقوم بجميع الأعمال، ولا مكان لأي أجنبي بينهم من خارج البلاد، فقد كان كبار السن يرددون كلمة عامية دارجة بينهم هي أشبه بالدعاء بأن لا يروا أجنبياً غيرهم في البلاد ك»الله لا يورينا وجيه من لا نعرف»، وذلك ظناً منهم بأنه لا حاجة لأن يعيش بينهم من لا يحتاجون إلى خدماته، فهم يعيشون نسيجاً واحداً وترابطاً قوياً بعيداً عن المشاكل التي يظنون أن الغرباء يجلبونها معهم أينما حلوا، لذا كان الأجنبي الوحيد الذي يرونه بينهم هو عابر السبيل الذي يمر بالبلاد قاصداً بيت الله الحرام للحج والعمرة فقط، ولكن مع تحسن الأوضاع المعيشية واتجاه الناس إلى الوظائف وهجر الكثيرين للمهن الحرفية واليدوية وانتشار التعليم النظامي، بدأت بعض المهن تخلو من روادها من أبناء الوطن، فتم فتح باب الاستقدام على مصراعيه لمواجهة النقص الحاد في العمالة الحرفية مثل الحلاقة والجزارة وعامل البناء والنظافة وغيرها من المهن بجانب المهن التربوية والطبية والهندسية. مثابرة وتخطيط ومع التوسع في توظيف المواطنين حتى من كبار السن في وظائف تناسب أعمارهم كوظائف السائقين والمراسلين والمستخدمين وغيرها مما لا يتطلب مؤهلاً علمياً أو قوة بدنية، فقد هجر هؤلاء العمل الحرفي واليدوي وتم الاستعانة بالعمالة الأجنبية في ذلك، ولم تكن ثقافة العيب منتشرة في مجتمع زمان لمن يمتهن العمل الحرفي في أي مجال، بل كان الهم الذي يحمله الناس هو كيف السبيل إلى الانخراط في مهنة تدر دخلاً على صاحبها وتغنيه عن السؤال وتمكنه من القدرة على تحمل المسؤولية والزواج وفتح منزل، وواصل العديد من المواطنين مزاولة أعمالهم الحرفية رغم إغراءات الوظائف والتي تعني الراحة في العمل والاستقرار الوظيفي، وشقوا طريقهم في العمل والكفاح مستعينين بالتسهيلات التي قدمتها الدولة واستفادوا من الدعم الحكومي في تطوير أعمالهم، وذلك عن طريق البنوك التي تقدم قروضاً بدون فائدة، بل إن البعض يشترط إرجاع نصف القيمة فقط كالبنك الزراعي، واستطاع العديد من هؤلاء من تكوين مؤسسات وشركات بات بعضها رائداً في العمل في القطاع الخاص، وما زال الكثيرون يعتمدون في معيشتهم من خلال العمل في هذه المؤسسات وأبنائهم بالإضافة إلى من تم استقطابه إلى سوق العمل لديهم من الشباب السعودي المكافح، وصار هؤلاء أمثلة على جيل العصامية والكفاح وما زالت سيرتهم تتردد على كل لسان وباتوا مثلاً أعلى يحتذى به، فقد كانت بداياتهم العملية بسيطة وجلها حرفية استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه بالكفاح والمثابرة وفن التعامل والتخطيط واستغلال الفرص، وتلوح في الأفق علامات تدل على رجوع العديد من الناس، خاصةً من جيل الشباب إلى مزاولة العمل الحرفي وذلك بعد أن ظهر العديد من المكافحين الذين استطاعوا الوصول إلى مستويات معيشية جيدة مكنتهم من الاعتماد على أنفسهم في شق طريقهم في الحياة وتكوين أسرة يضمنون لها حياة كريمة من خلال الكسب الشريف. تدريب مهني وانتشرت الوجوه الشابة من أبناء الوطن التي تعمل في شتى المجالات، وذلك بدعم من الحكومة الرشيدة التي ساعدت في سعودة الوظائف في القطاع الخاص، كما تم التوسع في افتتاح معاهد التدريب المهني التي تغطي سوق العمل في القطاع الخاص، كما انتشر العديد من الشباب الطموح الذي يسعى لكسب رزقه بالعمل المهني والحرفي في المصانع والورش ومحلات بيع الخضار والتمور والصناعات الحرفية كالنجارة والحدادة، كما خطت العديد من لجان التنمية الأهلية الاجتماعية والجمعيات واللجان الخيرية والهيئة العامة للسياحة إلى مساعدة الأسر المنتجة في المنازل، وهيأت لهم أماكن لتسويق منتجاتهم، وبذلك حولتهم من أسر محتاجة إلى أسر منتجة، بالإضافة إلى دعم صندوق الموارد البشرية للشباب في الحصول على فرص وظيفية حرفية جيدة، ومازالت الفرصة مهيأة لجميع الشباب العاطلين عن العمل في الاستثمار في هذا المجال. أولى الاهتمامات وتعددت وتباينت التعاريف التي رواها الكتاب والباحثون المهتمون بموضوع توطين الوظائف - السعودة - في وضع تعريف محدد لمعنى توطين الوظائف، فقد عرّف مجلس القوى العاملة السعودة بأنها قصر العمل على السعوديين بالإضافة إلى الإحلال التدريجي للعمالة الوطنية وفق عدد من المتغيرات والإبعاد وصولاً في النهاية إلى توطين الوظائف والاستخدام الكامل والأمثل للعمالة الوطنية، كما عرّفها أحد الباحثين بأنها تأهيل الفرد المواطن للقيام بمهام وظيفية معينة مسندة أعمالها إلى كفاءات غير وطنية شرط أن تكتمل جميع العناصر المطلوبة لأداء العمل في الفرد الوطني، وفي الإطار نفسه عرّف باحث آخر السعودة بأنها إحلال مواطن محل مقيم غير سعودي في وظيفة معينة، على أن تتوافر في السعودي القدرات والمؤهلات والكفاءة التي يحتاجها العمل نفسه، وتعد قضية سعودة الوظائف إحدى أهم القضايا التي أصبحت تشكل هاجساً كبيراً لكثير من المواطنين لاسيما الشباب، وأيضاً تعتبر من أولى اهتمامات الجهات المسؤولة في المملكة، كما أن ظاهرة توطين الوظائف لها طابع دولي، أي أن بعضاً من الدول تعاني منها أيضاً مثل: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وتكمن أهمية توطين الوظائف في أن الفشل أو الإخفاق أو التباطؤ في إيجاد حلول مناسبة لها في الوقت المناسب، قد يؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها مثل تفشي ظاهرة البطالة وتأثيراتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية على أفراد المجتمع على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لإنجاح نظام السعودة. ثمار مُحققة وبدأت أولى محاولات السعودة الجادة حوالي عام 1975م، إذ يوجد موظف سعودي واحد مقابل كل ثلاثة موظفين غير سعوديين في سوق العمل السعودي، وهي نسبة كبيرة، كما يرى المسؤولون الذين يواجهون تحدياً حقيقياً في توظيف السعوديين في الوظائف المختلفة في البلاد، كما ذُكر لفظ السعودة في عام 1987م في شركة الاتصالات السعودية، وكان تنفيذ المصطلح بتوظيف خبير أجنبي ويرافقه ويلازمه موظف سعودي ليتدرب على المهنة حتى يتقنها، ثم يُعطى المنصب للسعودي مكان المدرب الأجنبي، ويأتي ضمن أهداف رؤية المملكة 2030، الإستراتيجية رغبتها في السيطرة على نسب البطالة في صفوف الجنسين داخل المجتمع، ولم تنسَ الرؤية أن تحدد مسعاها في هذا الملف، بخفض معدل البطالة من 11.6 إلى 7 في المئة، وقد بدأت المملكة قطف ثمار الرؤية فيما يتعلق بارتفاع نسب توظيف السعوديين وانخفاض البطالة، إذ ستمضي القيادة في هذا التوجه قدر الإمكان كأحد مستهدفات الرؤية للوصول لمعدل بطالة بنسبة 7 % خلال عام 2030م، فمن هذه الثمار المحققة انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى نسبة 11.8 %، وذلك وفقاً لنشرة سوق العمل للربع الأول من عام 2020م التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء عبر موقعها الرسمي، وذلك مقارنة بالربع الأول من عام 2019م الذي شهد معدل بطالة بنسبة 12 %، إذ يعد هذا الانخفاض هو الأدنى منذ النصف الثاني من عام 2016م، ويعتبر إنجازاً مرحلياً رئيسياً حيث أتى ذلك بعد سلسلة من الانخفاضات المتتالية عندما بلغت ذروة معدل البطالة في 2018م إلى 12.9 %، ومما ساعد في تحقيق ذلك، قرارات رؤية المملكة التي انعكست نتائجها لتمكين المرأة في سوق العمل على مؤشر الربع الأول لعام 2020م، إذ انخفضت نسبة البطالة بين الإناث لتصل إلى 28.2 % مقارنة ب31.7 % خلال الربع الأول من 2019م، وتسعى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والأجهزة الحكومية ذات العلاقة إلى خفض معدل البطالة إلى 9 % كمستهدف مرحلي في رحلتها للوصول إلى مستهدف رؤية المملكة 7 % بحلول عام 2030م، إذ أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مع شركائها مجموعة من الإجراءات في عامي 2018م و2019م لزيادة نسب التوطين في قطاعات ومهن محددة، وكان التركيز فيها على توظيف الخريجين ممن ليس لديهم خبرة أو ممن أمضوا فترة في البحث عن عمل، مما ساهم بخفض معدل البطالة. المواطن قديماً اعتمد على نفسه في الحصول على لقمة العيش الموارد البشرية أطلقت إجراءات لزيادة نسب التوطين في قطاعات محددة توطين بعض الأنشطة أتاح فرص العمل للشباب معاهد تدريبية لإكساب جيل اليوم مهارات مهنية بعد اكتشاف البترول تم الاستعانة بالعامل الأجنبي حمود الضويحي