مع تقدم التقنية، يتزايد الاهتمام بدور معايير الأمن السيبرانية وبنيتها التحتية في تعزيز الاستقرار المالي، وفي تطوّر آخر أشار تقرير المخاطر العالمية الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي الى أن المخاطر السيبرانية مصنفة ضمن أهم خمسة عوامل محددة للتطورات العالمية، وقد تؤدي التقنيات الإحلالية إلى زيادة مخاطر التعرّض لهجمات سيبرانية، مما يخلق التزامات مالية تؤدي إلى تعطل الخدمات الحيوية، ومع تزايد عدد الهجمات السيبرانية وتعقيدها مؤخراً، اتخذت الجهات التشريعية في جميع أنحاء العالم إجراءات تنظيمية ورقابية لضمان الحد من المخاطر السيبرانية والتصدي الفعال لأي هجمات محتملة، ففي العام 2017 أصدر مجلس الاستقرار المالي تحديثاً لتنظيمات الأمن السيبراني المتعلقة بأنشطة القطاع المالي، وفي العام 2018 نشر المجلس كذلك معجماً لمصطلحات الأمن السيبراني، مواصلة لأعمال المجلس ودعماً منها للجهات التشريعية والهيئات المعنية والمشاركين من القطاع الخاص ويضم المعجم مجموعة متنوعة من المصطلحات الرئيسة تبلغ نحو 50 مصطلحاً ذات علاقة بالأمن السيبراني والمتانة السيبرانية في القطاع المالي، في الوقت نفسه أصدرت "مؤسسة النقد"، إطار الأمن السيبراني والذي يهدف إلى دعم المؤسسات المالية في جهودها الرامية إلى وضع حوكمة مناسبة للأمن السيبراني وبناء بنية تحتية متينة مع مايلزم من ضوابط كشفية ووقائية، ويحدد الإطار الضوابط المناسبة ويقدم إرشادات لكيفية تقييم الأمن السيبراني. وفي هذا الاتجاه، قال الخبير الاقتصادي فيصل بن سبعان: في البداية لنطلق عليه "عصر الأمن السيبراني" وهو العصر الذي أصبحت التكنولوجيا فيه من إحدى الضرورات الأساسية لمعظم المنظمات الحكومية والتجارية، ونظراً لكثرة الهجمات الإلكترونية التي لم تسلم منها قطاعات كثيرة وخصوصاً المالية منها، لذلك ركز البنك المركزي السعودي على تأسيس بنية تحتية أمنية صلبة لتعزيز الاستقرار المالي لدى البنوك السعودية وخلق بيئة إلكترونية آمنة يمكن الاعتماد عليها. ولفت بن سبعان إلى أنه لا يخفى على الجميع الجهود المبذولة في المملكة لتوفير بيئة إلكترونية آمنة لتعزيز التحوّل الرقمي للمملكة في التعاملات الإلكترونية بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، فالأمن السيبراني يعد أساس هذه التعاملات لضمان الخصوصية التامة وحماية المعلومات الحساسة للمستفيدين، بل هي أداة يستفاد منها لتحفيز وإكساب المستخدمين الثقة في الخدمات الحكومية الإلكترونية وضمان المحافظة على معلوماتهم الخاصة والتصدي لأي هجوم إلكتروني محتمل. ونوه بن سبعان، إلى إن الحكومة الإلكترونية قامت بدورها بتوفير معظم الخدمات الرئيسة عن بعد والتي كانت في السابق تتطلب الذهاب لمقر المنشأة، على سبيل المثال، إصدار الوكالات، وإصدار وتجديد السجل التجاري، والتعاملات البنكية وغيرها، ومن جانب آخر كالثورة الصناعية الرابعة، فالأمن السيبراني له دور كبير في ظهور هذه الموجة الرابعة من الثورة وذلك من خلال دعم وتسهيل التعاملات التجارية، وأقصد هنا التجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي على سبيل المثال، فبوجود الأمن السيبراني استطاعت الأغلبية العظمى من المنظمات التجارية والصناعية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة كتحليل وحفظ وحماية البيانات إلكترونياً، والتسويق الرقمي، وإدارة المنتجات، وهذا ساعد المنظمات في تحفيز الابتكار وتقديم المنتجات والخدمات بطرق إبداعية مختلفة، ليس هذا وحسب، بل هنا يأتي دور أخلاقيات المنظمات في استغلال هذه الثورة الرقمية وتشغيلها بما يتوافق مع توجهاتها والمحافظة على خصوصية العملاء، لذا لا يسعني القول سوى أن الأمن السيبراني ثورة تقنية ساعدت في فتح مجالات استثمارية كبيرة بتكاليف ميسرة عوضاً عما كان الحال عليه في الماضي. بدوره قال الخبير الاقتصادي عقيل بن كدسة: يعتبر الأمن السيبراني أحد أحدث التخصصات التي يتم دراستها عالميًا وذلك نظير الاستحداث المستمر في انتهاك خصوصية مستخدمي التقنية، ومؤسسة النقد السعودي التي أثبتت عبر السنين قوتها لا سيما خلال الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم خصوصًا في الأزمة الاقتصادية العالمية في 2007-2008 و جائحة كورونا 2020، تعمد إلى حماية المستهلك السعودي الذي يعمد كثيرًا لاستخدام التكنولوجيا في كثير من تعاملاته اليومية، وبالأخص التعاملات المالية منها. وفي ضمان حماية خصوصية العملاء في تعاملاتهم البنكية ضمان لحماية البنية الأساسية للاقتصاد السعودي، وهو المستهلك ذاته. وبين بن كدسة، تهدف رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والتي يقودها أمير الشباب ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى تعزيز قوة المملكة في الأمن السيبراني نظرًا لاعتماد أكثر من نصف سُكّان المملكة الذين تقل أعمارهم عن ال35 سنة بشكل كبير على التكنولوجيا في تعاملاتهم البنكية، وبقاء الثقة بين المستهلك والبنك في هذه التعاملات البنكية حجر أساس لاستمرار النمو الاقتصادي الذي تهدف له رؤية 2030. وأوضح بن كدسة، في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم، فإن أساليب النصب والاحتيال في تطوّر مستمر، وهذا يزيد من مهمة مؤسسة النقد العربي السعودي في تكثيف قواها لزيادة الحماية للمستهلك في تعاملاته البنكية التي تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا في جميع تعاملاتها، وإن تكثيف المهام لزيادة الأمن السيبراني هدف رئيس لمؤسسة النقد التي تسير بخطى ثابتة لزيادة وعي المستهلك أولًا، ومن ثم تعزيز الأمن السيبراني للبنية التحتية لها ولبقية البنوك السعودية، وهذا سيساعدها في زيادة جودة وسرعة الخدمات التي تقدمها البنوك للمستهلك النهائي.